مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والعِلّية .. الجزء الثاني

أقسام العلة

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة (العقل والعلية ج 1- العلة والمعلول) عن قانون أو مبدأ العلية الذي يبنى عليه نظامُ الكونِ ويتأسس عليه عالمُ الممكنات.

ونتحدث في هذه الدردشة عن أقسام العلة حيث تنقسم العلة إلى عدة أنواع نكتفي منها –في هذه الدردشة– بما يكون مهمًا في خوض النقاشات الفلسفية والفكرية، والتي يتوقف فهمنا لها على ضرورة التمييز الدقيق بين أقسام العلة، والذي يؤدي عدم فهمها، أو الخلط بينها إلى أغلاط فكرية ومنطقية كبيرة، حتى عند بعض كبار فلاسفة الغرب.

ومن ثم سنقتصر على ذكر قسمين فقط من أقسام العلة، هما: العلة التامة والعلة الناقصة، العلة الحقيقية والعلة المُعِدَّة.

العلة التامة والعلة الناقصة

 العلة التامة:

هي العلة التي تقتضي بذاتها وبمفردها وجود المعلول، وتشتمل على جميع ما يتوقف عليه وجود المعلول من السبب (ويسمونه المُقْتَضِي) والشرط، وعدم المانع، فعندما نريد أن نحرق ورقة، فهذا الاحتراق يحتاج إلى علة تامة تتألف من: السبب “النار”،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والشرط “بأن تكون هذه النار قريبة من الورقة”، ثم عدم المانع “لا بد أن تكون الورقة غير رطبة”. فإذا وجد السبب والشرط وعدم المانع احترقت الورقة، وهذه هي العلة التامة. ومتى ما وجدت العلة التامة وجد المعلول مباشرة.

 العلة الناقصة:

وهي تساهم بدور في إيجاد المعلول، ولا تكفي بمفردها، إذ لا تتوفر على جميع ما يتوقف عليه وجود المعلول، وإنما تتوفر على بعض ما يتوقف عليه وجود المعلول. فالسحب علة ناقصة لسقوط المطر، فالرياح الباردة، البحار، وأشعة الشمس، وغيرها، كل هذه علل تلعب دورًا لتحقق سقوط المطر فهي علل ناقصة.

وتفترق العلة التامة عن العلة الناقصة في أن العلة الناقصة لا تُوجِد المعلول، بينما العلة التامة توجد المعلول بمجرد أن توجد.

فالعلة التامة متى ما وجدت يلزم من وجودها وجود المعلول مباشرة، فعند وجود المُقْتَضِي، والشرط، وعدم المانع، تحترق الورقة بالضرورة، ومتى ما عدمت العلة التامة انعدم المعلول حتمًا.

أي يلزم من عدم العلة التامة عدم المعلول. أما العلة الناقصة فإنه لا يلزم من وجودها وجود المعلول، لأنه قد توجد نار لكن الورقة رطبة أو بعيدة عن النار فلا تحترق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكن تشترك العلة الناقصة مع العلة التامة في أنها متى ما عدمت العلة الناقصة ينعدم المعلول أيضًا، أي يلزم من عدم العلة الناقصة عدم المعلول، ولا يلزم من وجودها وجود المعلول.

العلة الحقيقية والعلة المُعِدَّة

5472bf7228d5b1826136340 1 - العقل والعِلّية .. الجزء الثانيكما تنقسم العلة إلى العلة الحقيقية والمعدات: والمقصود بالمعدات هي العوامل المساعدة، هذه العوامل لا تُوجِد الشيء، وإنما هي مقدمات وممهدات ومهيئات ومقربات، تقرب المادة إلى إفاضة الفاعل، كتقريب الورقة إلى النار،

فهذا ليس علة بل هو ممهد إلى العلة ومقرب. فالمعدات ليست علة حقيقية، وإنما يطلق عليها علة تجوزًا. ويمكن أن نقول إن العلة التامة علة حقيقية موجدة لمعلولها، والعلة الناقصة علل مُعِدَّة لمعلولها.

وعلى ذلك يجب فهم قول من يقول: “لا مؤثر في الوجود سوى الله” على معنى أن الإيجاد الحقيقي منحصر بالله تعالى، وكل ما عداه تعالى فواعل معدة لا فواعل حقيقية، فقوله تعالى: “أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون”. عمل الفلاح هنا ليس الزرع، بل الإعداد لأن يفاض الزرع من الله تعالى.

ويمكن القول: إن المجال الأساس لعمل العلل الناقصة والعلل المُعِدَّة هو العلم التجريبي، بينما يكون المجال الرئيس للعلة التامة، والعلة الحقيقية، إنما هو الفلسفة العقلية وبراهينها. وهذا ما لم يدركه بعضُ علماءِ وفلاسفةِ الغرب من الذين أنكروا قانونَ العليةِ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهذا هو موضوع دردشتنا القادمة بإذن الله.

اقرأ أيضاً:

العلاج بالفلسفة

الإله بين الرؤية الجبرية والتفويض الكلي للإنسان

العقل والألفاظ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة