مقالات

العقل والألفاظ .. الجزء الأول

العلاقة بين العقل والألفاظ

المختص، والمشترك، والمنقول، والمرتجل، والحقيقة والمجاز

سنتحدث في هذه الدردشة -صديقي القارئ صديقتي القارئة- عن موضوع مهم هو: العقل والألفاظ. وسنحاول أن نوضح كيف أن حاجتنا إلى معرفة الأقسام المختلفة للألفاظ ومعانيها إنما هي حاجة ماسة، وذلك لتصحيح عملية التفكير، لأن الخطأ في اللفظ يؤدي إلى الخطأ في الفكرة، فإذا كانت معاني ألفاظنا صحيحةً كانت أفكارُنا صحيحةً، والعكس صحيح.

الألفاظ وسيلتنا لفهم العالمما اتفق لفظه واختلف معناه - العقل والألفاظ .. الجزء الأول

كل فكر حقيقي إنما غرضه وهدفه الوضوح وعدم الغموض. ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق فهم المعاني -المعبرة عن الموجودات في العالم الخارجي-  فهما واضحًا.

ولكن المفكر لا يتوصل إلى المعاني إلا بواسطة معرفة الألفاظ لأنها قولب للمعاني، فالتفاهم بين البشر، ونقل الأفكار بينهم، لا يتم إلا بواسطة ألفاظ اللغة سواء مباشرة، عن طريق الكلام، أم بشكل غير مباشر، عن طريق الكتابة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذن الكتابةُ تُحضِر الألفاظَ، والألفاظُ تُحضِر المعاني في الذهن، والمعاني الذهنية تدل على الموجودات الخارجية.

تقسيم اللفظ الواحد من حيث معناه:

ينقسم اللفظُ باعتبار المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه، إلى ستة تقسيمات عامة، لا تختص بلغة دون أخرى، وهي على النحو الآتي:

المختص:

“هو اللفظ الواحد الذي يستخدم لمعنى واحد، فاختصَ به”، مثل: لفظ “الإنسان”، فإن لهذه الكلمة معنى واحدًا (حيوان ناطق) اُختص به.

وفائدة معرفتنا للفظ المختص تتمثل في أنه لا يصح حمل الألفاظ المختصة على غير معانيها. ولقد تمنى الفلاسفةُ أن تتسعَ اللغة جدًا لكى يكون لكل معنى في العالم اسم مختص به، لأن ذلك سيكون أبلغ للفهم، وأجلى للشك، وأقرب للبيان.

المشترك:

“هو اللفظُ الواحد له معانٍ متعددة، وضع للجميعِ كلٍ على حده، ولم يسبق وضعه لأحدها وضعه للآخر”، مثل: لفظ “العين”، الذي يطلق على الجاسوس، والذهب، وعين الماء، والعين الباصرة. ولا بد من وجود قرينة تعين المعنى المراد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والألفاظ المشتركة ينبغي اجتنابُ استعمالها في التعريفات فضلًا عن البراهين. وأكثر المغالطات الفكرية إنما تنشأ من الاشتراك اللفظي.

المنقول:8880 - العقل والألفاظ .. الجزء الأول

هو “اللفظ الواحد، الذي تعدد معناه، وقد وضع للجميع، كالمشترك، ولكن يفترق عنه بأن الوضع لأحد المعاني مسبوق بالوضع للآخر، مع ملاحظة المناسبة بين المعنيين السابق واللاحق”، مثل: لفظ “سيارة”، فإنه في اللغة العربية للجماعة من الناس يسيرون من مكان إلى آخر (القافلة)،

ولكن العرف نقله إلى وسيلة النقل المعروفة بالسيارة، واشتهر استعماله فيها وهجر استعماله في المعنى اللغوي. ويدخل في المنقول المصطلحات العلمية في لغة أهل كل علم، مثل: علم النحو، المنطق، الفلسفة، إلخ.

وفائدة معرفتنا للفظ المنقول تتمثل في أن لكل علم مصطلحاته، التي يجب أن تُؤخذَ منه فلا نفهم مصطلحاتِ علمٍ بمعانٍ مختلفةٍ لمصطلحاتِ علمٍ آخر.

المُرْتَجَل:

“وهو كالمنقول بلا قرق، إلا أنه لم تُلْحَظْ فيه المناسبةُ بين المعنى الأول والثاني”. ومنه أكثر الأعلام الشخصية، إذ قد يسمى الجبان أسدًا، ويسمى البخيل كريمًا، ويسمى الدميم جميلًا، والأسود نورًا، إلخ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفائدة معرفتنا للفظ المُرْتَجَل تتمثل في أنه قد يكون غيرَ منطبقٍ على معناه حقيقة.

الحقيقة والمجاز:

الحقيقة: “هو اللفظ الواحد الذي يستعمل في معناه الحقيقي الذي وضع له. المجاز: هو اللفظ الواحد الذي استعمل في غير معناه الحقيقي، لوجود مناسبة، ودون أن يترك استعماله في المعنى الأول”، مثلًا: لفظ “أسد” إن استعمل على الحيوان المفترس المعروف، لكان هذا الاستعمال حقيقيًا، لأنه حصل في المعنى الموضوع له.

وأما إن استعمل لفظ أسد على شخص قوي شجاع، فإن هذا الاستعمال مجازي، حيث أنه حصل لوجود مناسبة بين الأسد المعروف بقوته وشجاعته وبين هذا الشخص القوي والشجاع، وفي نفس الوقت بقي اللفظ يستعمل في المعنى الموضوع له في الأصل.

وفائدة معرفتنا للفظ الحقيقي والمجازي تتلخص في:

اللفظ ذو المعنى الحقيقي يحمل على المعنى الحقيقي إذا كان مجردًا من القرينة الصارفة عنه إلى المعنى المجازي. واللفظ المجازي لا يستخدم في البراهين بينما الحقيقي يستعمل في البراهين والاستدلالات العقلية.

وكان التأويل هو الخاصية الكبرى التي تميزت بها فلسفةُ ابن رشد، إذ كان التأويل هو طريق التوفيق بين الفلسفة والدين عند ابن رشد الذي عرَّفَ التأويلَ بأنه: “التأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد أجمع المسلمون -كما يقول ابن رشد- على أنه “ليس يجب أن تُحملَ ألفاظُ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرجَ كلها عن ظاهرها بالتأويل”.

الخلاصة:

في التعريفات والاستدلالات العقلية، لا يجب أن نستخدم المشترك، ولا المنقول، ولا المرتجل، ولا المجاز. ونقتصر فقط على استخدام المختص والحقيقي، لتحقيق الوضوح وتمام البيان.

في دردشتنا القادمة -بإذن الله- نواصل الحديث عن القسم الثاني، الذي يتعلق بتقسيم الألفاظ من حيث الترادف والتباين.

اقرأ أيضاً:

العقل والتفكير

معجزة القرآن

اللغة كمدخل لفهم العالم 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج

مقالات ذات صلة