علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

بين الآثم والعدوان

“وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ”، هنا يأمرنا ربنا بعدم كتمان الشهادة، وكل منا –بالتأكيد– لديه شهادة ما يجب أن يعلنها ولا يكتمها، لكل منا شهادة خاصة على قضية محددة، وشهادة عامة على قضايا وأوجاع لا حد لها ونحن جميعًا شهود في كل ما نقوم به.

الشهادة يقين وحق، لا يجب كتمان الشهادة، فالكتمان إخفاء متعمد لما يجب كشفه وتعريته، نحتاج إلى الشهادة حين تُزيّف الحقائق، والحقائق لا تُزيّف إلا لخدمة الباطل، وما أكثر الباطل في حياتنا!

الشهادة أن نحاصر الباطل والزيف وألا نسمح لهما بالتمدد، الشهادة حق الناس على بعضهم، وحقهم على أهل المعرفة منهم، الشهادة حق الحياة علينا.

كتمان الشهادة بغي لا حد له، وكبيرة من الكبائر، والكبائر تضيّع الأفراد وتهلك الجماعات، وتضلل الأجيال القادمة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفرق بيننا وبين الأمم المتقدمة ليس أنهم أكثر عقلًا أو أعظم حكمة، لكن الفرق أنهم يشهدون دائمًا ولا يكتمون الحق، يشهدون على أهل السلطة ويحاصرونهم بأكثر مما يشهدون على الضعفاء ومن لا شأن لهم، الصحافة شهادة، والكتابة شهادة، والرقابة شهادة، والقضاء شهادة، ومجلس الشعب شهادة.

الشهادة تعني أمة كاملة تصدح بالحق في كل مكان عبر كل وسيلة، فلا مكان لظالم ولا مكان لباطل ولا مكان لزيف، الشهادة نور واستقامة على الطريق.

النتيجة الطبيعية لكتمان الشهادة “إثم القلب”، وهذا تعبير دقيق ورهيف، فالقلب إذا صلح صلح به الجسد كله، والعكس صحيح بالقدر نفسه، فالقلب الآثم يُوزّع الإثم على الجسد كله، ولا يمكن لصاحب هذا القلب أن يرى حقًا أو يدرك نورًا، القلب الآثم أعمى يتقلب في الشر وبالشر، ولا يمكنه أن يشعر بفداحة الظلم ولا بضياع الحق، والله هو الحق.

أنت في النهاية لا يمكنك أن تعيش بقلب آثم، فالإثم قيد، والقيد ظلمة تحيط بالقلب لا تدعك حتى تأثم يدك ورجلك وعينك وفكرك، حتى لكأن صاحب القلب المظلم عمى يسير على الأرض!

لذا فالله تعالى يأمرك بإعلان الشهادة، يأمرك أن تصدح بالحق في وجه الظلم، وإذا كان كتمان الشهادة يؤدي إلى إثم القلب، فإن إظهار الحق وإعلان الشهادة نور للقلب والعقل والجسد، وهذا كله نعيم لا يعرفه إلا أهل الشهادة الذين أيقنوا بالحق، وذاقوا طعم اللذة الكبرى!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الشهادة حياة ونجاة ونور وعطاء وتقدم.

“وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”، هذا نهي قاطع عن العدوان، فالعدوان تجاوز للقدر وخروج عن الحق والعرف، العدوان كسر للقانون واستكبار في الأرض، العدوان ركون إلى الذات والهوى، فتأخذ ما ليس لك، العدوان انتهاك للكرامة وبَغي لا حدّ له، والله يريد أن تكون كلّ أفعالك خالصة لوجهه الكريم، حتى لو كنت بصدد قتال أعدائك، فليس لك أن تعتدي أو تجاوز الحدّ، وهذا عين الإنصاف.

صور العدوان في حياتنا كثيرة لا حصر لها:

الكذب عدوان، والاستبداد عدوان، وتقديم أهل الثقة على أصحاب الكفاءة عدوان، والإساءة لمن هم تحت ولايتك عدوان، وعدم الإحسان إلى أهلك عدوان، والكلمة تنال بها من أحدهم عدوان، إلخ.

أنت مطالب إذًا بالعدل والإنصاف في كل أمر تقوم به، أنت مطالب بالعدل مع نفسك، ومع الناس: فلا استكبار ولا تغافل عن حق، ولا تكاسل عن تلبية دعوة حق، إلخ.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا يجب أن تكون ممن لا يحبهم الله، لا يجب أن تكون من المستبعدين من دائرة المحبة، دائرة المحبة منيرة مشرقة، ولا مكان فيها للبغاة والمعتدين.

مقالات ذات صلة:

إنسان يحب العدل ولا يكره الظلم!

الحقيقة بين الخلق والادّعاء

لماذا يستمرئ الناس الظلم؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة