مقالات

غير المرئيين

هل ذهبت يوما ما لقضاء عطلة في قرية سياحية أو منتجع؟

هل ذهبت إلى مركز تسوق (مول) لشراء بعض الطلبات؟

هل تعيش في كومباوند أو منتجع؟

هل اتصلت بمطعم أو محل لتوصيل الطلبات للمنزل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل ذهبت لتناول الطعام في مطعم؟

غالبا في القرية السياحية أو المول أو توصيل الطلبات (ديليفاري) أو الكمباوندات أو حتى العمارة والمطعم… ستلاحظ المباني.. سترى السلع.. اليافطات.. الأشجار.. الورود.. والأثاث… قد تتعامل مع البائع.. مع مدير المبيعات.. مع مسؤول الاستقبال…

لكن وسط كل هذا… هناك فئة لا تراها.. ولا تلاحظها! هناك أشخاص لا تراهم!

فئة من الناس تراك وتنظر إليك وتتفحصك في صمت.. لكنك لا تراها!

فئة غير المرئيين!

The invisible

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذه الفئة التي لا تراها.. أو تراها لكن تصطنع أنك لا تلاحظها.. هي فئة أعرفها جيدا

أعرفها جيدا

لأن منهم كثيرين أصدقائي! كنت ألعب معهم أثناء طفولتي في قريتنا.. لكنهم اضطروا لترك قريتنا وأرضهم بسبب الفقر وقلة فرص العمل وكذلك الأراضي الزراعية.

لأن منهم كثيرين أصدقائي كنت ألعب معهم أثناء طفولتي في حي الزيتون.. الحي الشعبي البسيط.. لكن شاء القدر أن لا يجدوا العمل المناسب لهم.. ومن ثم اضطرتهم الظروف للعمل في هذه الأماكن.

هؤلاء غير المرئيين .. الذين يرونك ولا تراهم.. وينظرون إليك وإلى ما تفعل وإلى ما تملك.. بينما أنت لا تلاحظهم.. ويحرصون على أن لا تلاحظهم أو تلاحظ نظراتهم!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ربما هو عامل نظافة.. أو شاب مسؤول عن نظافة أو رعاية نباتات.. أو توصيل طلبات.. أو فرد أمن.. أو عامل بسيط.. أو عامل في محطة بنزين…

أو الكثير من الأعمال البسيطة المطلوبة للخدمات واستمرار دوران عجلة المول أو الكمباوند أو القرية السياحية أو المطعم أو محطة الوقود…

أعمال بسيطة جدا .. براتب هزيل

ينتقل فيها الشخص الفقير من بيئته الفقيرة.. ليعمل في خدمة من هم أغنى منه!

يترك قريته أو شارعه الفقير.. لينتقل إلى متابعة مجتمع من الناس الشبعانة!

“ناس معاها فلوس”.. ويصرفون بسهولة في بضع دقائق ما يوازي راتب أو دخل أسرة في عدة شهور بالنسبة له!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

شعور مستمر بالضغط النفسي والغيرة.. مع شعور مزمن بالظلم.. والغضب المكبوت.. وربما الحسد والحقد

يعيشون عادة في شقق ضيقة مشتركة وبأعداد غير قليلة… وحجرات غير نظيفة.. بعيدا عن محل سكنهم! يستأجر هذه الشقق صاحب العمل أو مجموعة من الشباب أو الفتيات.. حسب نوع العمل

أو يركب ويحشر نفسه في زحام عدة مواصلات كل يوم كي يصل إلى مكان عمله

يتبادلون في محل السكن أو المواصلات  القصص والأحاديث كل يوم عن ما رأوه في المول أو القرية أو الكمباوند!

كلها أحاديث مؤلمة تملؤها الحسرة والغضب

هل تعتقد أنك لو نظرت لهؤلاء غير المرئيين! سيفرح؟!

لا.. بل على العكس.. هو مثلك.. يفضل أن لا تنظر إليه وأن تصطنع أنك لا تراه.. تماما كما يصطنع هو أنه لا يراك ولا ينظر لما في يديك من أشياء اشتريتها أو تملكها!

هل تعتقد أنك حين تتعطف عليه بالبقشيش وبعض النقود سيحبك أو يرضى عنك؟

لا.. قد يفرح بالنقود.. لكنها تجعله يكرهك أكثر.. لأنك بذلك تقول له بتعالٍ: أنت أقل.. وأن حظك السيء في الحياة جعلك في هذا المكان.

لأنه يرى أنه مظلوم ويستحق ما لديك.. لأنه يرى أنك جزء من هذا الظلم.. وأنك جزء من منظومة الحياة الجهنمية التي ظلمته وفرضت عليه أن يعمل خادما لديك لتحقيق رغباتك!!

هو لا يفهم أنك ربما مظلوم مثله أو تعاني مثله بصورة أخرى! فكل ما يراه منك ويسمعه عنك لا يوحي له بذلك!

إنه واقع مؤلم.. وللأسف تغييره لا يكون في يد أشخاص.. لكنه في يد منظومة كبيرة.. أكبر من مجرد شخص يحمل مشاعر الطيبة والشفقة نحو المحتاجين وأصحاب الحظ السيئ في هذه الحياة!

هذا الاحتكاك الشاذ بين مجتمع الفقر ومجتمع الغنى لا يؤدي إلا إلى المزيد من الكراهية والاستعداد للانفجار.

وهذا الاحتكاك لا يلاحظه إلا من يعرف جيدا ويفهم جيدا كلا المجتمعين.

اقرأ أيضاً:

الصين تحارب الفقر

جبر الخواطر (منحة من الله تعالى)

 الخير فينا فطرة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة