مقالات

الصين تحارب الفقر

تمر الدول بفترات ومراحل طبيعية كالشموخ والضعف والانكسار، والبداية والنهاية، والقوة والضعف، والازدهار والركود. وبعض الدول والمجتمعات تتعلم من ماضيها المؤلم القاسي فتأخذ منه العبرة والعظة ومن ثم الضوء والنبراس لحاضرها وتقدمها ورقيها.

مرت جمهورية الصين الشعبية بمراحل فقر مُدقع وبؤس بئيس مع هذا العدد الهائل والكتل البشرية المتحركة، والطقس المتقلب والمختلف من شدة البرد القارس، إلى قمة الحرارة اللافحة نتيجة اتساع رقعة الأرض.

لقد عانت الصين من الفقر الشامل كالفقر الغذائي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، فلزم الفقر الصين على مدى سنوات طويلة وحقب كثيرة. ومنذ أن قامت الدولة وتأسست عام 1949م أخذت على عاتقها مكافحة الفقر ومحاولة رفاهية الشعب ووضع جداول وخطط زمنية حقيقية لذلك. ومنذ إعلان الصين لبدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في عام 1978م وتبني الحكومة تنمية المناطق النائية والريفية والعمل على قدم وساق بالحقائق والأرقام، تشهد على ذلك المؤتمرات التي يعقدها الحزب بصفة دورية ليضع أمام الشعب ما تم إنجازه وما زالت تعمل على تنفيذه.

والناظر إلى الصين يعرف بكل سهولة أنها دولة زراعية بالأساس، فتجد أنها قامت بالزراعة فوق الجبال والمنحدرات والقرى والكهوف واستصلاح الأراضي ثم بدأ التحديث شيئا فشيئا بإدخال الآلات الزراعية الحديثة والمتقدمة التي توفر الوقت والجهد وتزيد في المحصول.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتعتبر الصين من أشد البلاد صرامة ونظاما، ونلاحظ استصدار القوانين والقرارات من قِبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني التي تعمل لصالح المواطن، ومن ذلك انتشاله من الفقر والعوز والحاجة وتوفير حياة كريمة رغيدة جميلة هانئة، معتمدة على ذلك باستغلال الأيدي العاملة في البناء والتطوير. إن الفقر ومعاناته مطبوع في ذاكرة الصينيين إذ كيف ينسوه وقد عاشوه وعايشوه واكتووا بناره بل وقضى على أعداد منهم، ومن هنا تجد الواحد منهم لا ينام فيعمل بجد واجتهاد وصبر ومثابرة ليل نهار ليكسب رزقه ويعول بيته ويعف نفسه ويفيد بلده.

ذات يوم اتصلت بي طالبة تخرجت من الماجستير وقالت لي: يا أستاذ، توجد بعض الأعمال يمكنك القيام بها إن شئت، فقلت لها: لا بأس، فقالت كم تأخذ من المال؟ قلت: كذا، فقالت: ألا تريد أكثر؟ فقلت: لا، هذا يكفي. والشاهد من هذه الرواية أن الشعب الصيني يحب العمل ومن ثم الكسب الزائد وهكذا، فيعطيك انطباعا عن الحياة الأولى الصعبة التي عاشوها.

ولاحظتُ كذلك الزيارات المستمرة لقادة الحزب والحكومة للمناطق الريفية والفقيرة للدعم ومتابعة مشروعات التنمية في العمل على قدم وساق وعلى رأسهم الرئيس الصيني (شي جين بينغ).

تبدو حياة الصين الآن واضحة بجلاء في استعمال التكنولوجيا الحديثة والابتكارات، وكثرة المطاعم والكافيهات ووسائل الترفيه والمتنزهات، فعندما نرى المطاعم نجد أنها بنكهات متنوعة وغنية وثرية حتى انتشر (المطبخ الصيني) في أنحاء العالم والذي ساعد على ذلك القنوات الفضائية الناطقة بلغات كثيرة منها العربية، وكذلك المطاعم الإسلامية (الحلال)، مما يشعرك بانعكاس حالة الازدهار التي يحياها الشعب. والمطاعم نجد أنها فضلا على كثرتها مختلفة لتناسب أذواق المناطق المختلفة من الصين، فكل قطر كالشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط له طعامه المفضل وأكلاته المشهورة ومن ثم المطاعم المخصصة لذلك.

إن الحكومة الصينية تستفيد من كثرة الأيدي العاملة والمساحات الكبيرة الشاسعة، والمواد الخام والخيرات الموجودة أحسن استغلال لصالح الشعب. إنك وبكل سهولة يمكنك أن ترى أثناء سيرك في الشارع امرأة تقود سيارة تاكسي أو أتوبيس، أو تقف في مطعم أو ماركت، فمن الصعب أن ترى بطالة أو تواكلا من البعض بالاعتماد على أخيه أو أبيه أو صديقه، فالكل يعمل ويتباهى بعمله ويحبه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الدولة الصينية لا تنام أو تغفل من أجل العمل لشعبها، فعلى سبيل المثال الطلاب قبل تخرجهم يبحثون عن العمل وهم في مرحلة الليسانس، ويقومون بعمل مقابلات شخصية لوزارات أو شركات، بل يمكننا الذهاب لأبعد من ذلك وهو أن المتخرج يعمل في وظيفة ويمكنه تغييرها لأجل أن دخلها قليل أو لا تناسبه فيبحث عن عمل آخر، أخبرني بعض طلابي بهذه الأمور.

إن النموذج الصيني حقا جدير بالاحترام فالحكومة تخطط وتنظم والجماهير تعمل وتتعب وتجد ثمرة تعبها لا يضيع هباء، فعلى قدر عملك تأخذ الأجر والمكافأة والتقدير.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

الصين: تقدمها وحفاظها على الهوية

فلسفة الصراعات الصين نموذجا

الصين وأمريكا عملاقان متصارعان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة