إصداراتمقالات

عم فتحي ومستر كارفور

“يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم”, بهذه الجملة المباركة (أو ربما التعويذة السحرية كما يعتبرها البعض), فتح عم فتحي دكانه الصغير بادئا يوما جديدا, وبما أنك لست من سكان هذا الشارع, فأنت غالبا لا تعرف دكان عم فتحي أو بالأحرى بقالته التي هي مقصد جميع سكان هذا الشارع لشراء مشترياتهم الأساسية من الأطعمة وأدوات النظافة وغيرها. وبالنسبة لعم فتحي, هو ليس ببائع يتناسب عرض ابتسامته طرديا مع مستواك المادي أو كمية مشترياتك, بل هو صديق يعلم ما تحتاج ومتى تحتاج, يعلم نوع الجبن الذي يحبه أطفالك في “سنداويتشاتهم” كل صباح, يعلم نوع صابون الوجه الذي يتناسب مع ميزانيتك الشهرية, يعلم متى تستطيع أن تدفع قيمة مشترياتك ومتى – بدون أن تطلب – يُسجل ثمن ما شريت “على النوته”, هو تقريبا فرد من أفراد العائلة.

“السلام عليكم, إزيك يا عم فتحي “, صوت ناعم ودود يدخل الدكان مرتديا بدلة وكرافته و حذاء لامع,

“الحمد لله, الله يخليك, أؤمر تحت أمرك, أجيبلك إيه؟”

“لأ حضرتك أنا مش جاي أشتري, أنا ماهر محمود شغال في سوبرماركت كارفور إللي فتح من شهر على الشارع الرئيسي”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“تحت أمرك إتفضل”

“الأمر لله, دلوقتي إنت عارف إن الحال نايم في البلد وإن الوضع ده بيأثر علينا كلنا, فبما إننا أصحاب نشاط واحد فلازم نحط إيدينا في إيد بعض لغاية ما الوضع يتحسن وربنا يفرجها”

“مش فاهم حضرتك, إيه إللي هيعوزه سوبرماركت كبير زيكم من محل صغير زي محلي”

“صحيح محلك صغير في الحجم بس كبير في المقام, إحنا كنا عايزين نعمل حملة دعائية عن تخفيضات جديدة يقدمها كارفور, نعلق يفط وإعلانات في شارعكم, بس للأسف سكان الشارع وقفوا ضدنا عشان فاكرين إن ده هيضرك, وهما بيحترموك وبيحبوك, فقلنا إننا لازم نتعاون عشان يمشي حالنا وحالك, فإنت تعلق إعلاناتك في الشارع الرئيسي وإحنا نعلق إعلاناتنا في شارعكم الخلفي وطبعا كل واحد هيتحمل تكلفة إعلاناته وإحنا ممكن نساعدك بقرض وتبقى تقسطه على مهلك”

“إممممم, مفيش مشكلة ربنا يفرجها علينا وعليكم”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“إنت صحيح يا عم فتحي وافقت إنهم يعلقوا إعلاناتهم في الشارع” سأل عم هلال العجلاتي جار عم فتحي,

“مقدرش أمنع حاجة فيها خير للجميع, رزقنا ورزقهم على الله”

“ربنا يجيب العواقب سليمة” تمتم عم هلال

وفعلا ساعد عم فتحي عمال كارفور على وضع إعلاناتهم التي تقدم عروض وتخفيضات لا تُقاوم (تخفيضات كبيرة على الأجهزة الكهربائية, إشتري 4 أكياس مكرونة وخذ علبة صلصة هدية … إلخ). وفي نفس الوقت

وفى مستر كارفور بوعده وأعطى عم فتحي القرض (بعد أن كتب إيصالات أمانة بالمبلغ), بل وساعده في تصميم إعلاناته و تعليقها في الشارع الرئيسي وسط إعلانات كارفور الكثيرة (إشتري من عم فتحي رمز الأصالة والجودة, العنوان: الشارع الداخلي), وبالطبع لم يستطع عم فتحي مجاراة مستر كارفور, فمن جهة ليس لديه هذا الحجم الكبير المتنوع من السلع وأيضا يفتقد القدرة المالية التي تمكنه من تقديم عروض وتخفيضات قوية و جذابة, ومن جهة أخرى هو تخلى طواعية عن احتكاره لقلوب وعقول أهل شارعه, وسمح بأن يكونوا فريسة لمحترفي إثارة شهوات حب الإستهلاك والتبضع والتميز, وبما أن النوايا الطيبة ليست كافية لتحقيق الأهداف النبيلة فلا بد أن يصاحبها الوعي والتعقل فكانت النتيجة الحتمية …

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد 3 أسابيع …

“السلام عليكم يا أستاذ فتحي”, صوت صارم جاف يدخل الدكان مرتديا بدلة وكرافته وحذاء لامع,

“طبعا إنت فاكرني, أنا ماهر محمود إللي جتلك من 3 أسابيع, الإدارة في كارفور بيبلغوك إنهم عايزين الدفعة الأولى من القرض زي ما إتفقنا”

“بصراحة موضوع التعاون ده جه عليا بخسارة, مبيعاتي نزلت للربع, وما جاش غير واحد بس من الشارع الرئيسي و طلب حاجة ما كانتش عندي, أنا معيش فلوس أدفع القسط ولازم موضوع التعاون ده يتلغي ويرجع الوضع زي ما كان”

“ما عدش ينفع خلاص, دلوقتي أمامك حل من إتنين, يا إما محاكم وتكاليف محامين وفضايح وبهدلة,

اضغط على الاعلان لو أعجبك

و إما تبيع لنا المحل بمبلغ كويس تعمل بيه مشروع جديد ولا تشتري بيه تك تك, قلت إيه؟ هسيبك يومين تفكر وهرجع لك تاني”

بعد يومين …

“السلام عليكم “, صوت خشن يدخل الدكان مرتديا بدلة وجرافته وحذاء لامع,

“قلت إيه يا عم فتحي في الكلام إللي قلتهولك من يومين؟”

“آآآآآآآه, ده يرضي مين ده يا ناس, ما بقاش فيه بيع ولا شراء, ومحدش راضي يسلفني وكلهم بيقولوا لي إن دي غلطتك وإنت إللي سمحت للوحش ده يدخل شارعنا, ربنا على الظالم والمفتري, أمري لله, أنا مش أد المحاكم والبهدلة, هبيع”

و انتهت قصة بقالة عم فتحي بتحويل محله إلى مخزن من مخازن مستر كارفور.

يقول الفلاسفة أن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه, وحق الضعيف هو حمايته من طمع القوي وجشعه, فكما حمى عادل السماء الأسماك الصغيرة بالقدرة على التخفي وسط الشعاب المرجانية, فيجب على عادل الأرض ألايترك الفقراء والضعفاء في هذا العالم فريسة لجشع الرأسمالية المتوحشة, فهذا هو الظلم, قمة الظلم.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

أحمد عثمان

باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ

مقالات ذات صلة