مقالات

علم الاجتماع في ميزان العقل (الجزء الثاني) – أوغست كونت، النظرية الوضعية

أوغست كونت هو عالم اجتماع و”فيلسوف” اجتماعي فرنسي، ويعتبر من أعطى لعلم الاجتماع الاسم الذي يُعرف به الآن، وقد أكد ضرورة بناء النظريات العلمية المبنية على الملاحظة، إلا أن كتاباته كانت على جانب من التأمل الفلسفي التجريبي (إن صح التعبير)، ويعد هو نفسه الأب الشرعي والمؤسس للفلسفة الوضعية، وهو يعتبر تلميذا لـ “سان سايمون” وهو فيلسوف فرنسي.

سان سيمون وتأثر فكر كونت به

وقد تأثر ” كونت” كثير بأفكار “سان سيمون” وهو مفكر اشتراكي ساهمت أفكاره كثيرًا في نمط أفكار الثورة الفرنسية. كان يعتبر أن ميدانه هو الفيزياء الاجتماعية (إن صح التعبير).

حيث أنه كان يعتقد إمكانية تحليل المجتمع عن طريق التحليل الفيزيائي!!  و يمكننا من خلال هذا النمط من الدراسة أن نصل من خلال دراسة تاريخ المجتمع إلى علم ” يقيني” كما عليه الحال في العلوم الطبيعية.

عكف ” سيمون “وفق منهجه على دراسة تاريخ أوروبا من وقت سقوط الإمبراطورية الرومانية حيث وصل لنتيجة أن التاريخ يخلص إلى وجود صراع متواصل بين العاملين (زراع وصناع) ” الطبقة الثالثة” من جهة وبين الطبقتين الأعلى طبقة النبلاء (الملوك والإقطاعين) وطبقة كبار رجال الدين من جهة أخري. وهذا الاستنتاج يفسر أيضًا كيف أثَّر “سيمون ” في أفكار “كارل ماركس” فيما بعد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك


السياسة وعلم الاجتماع عند كونت

وبالعودة إلى “أوغست كونت” ونظريته نجد أنه لا يمكن فصل نظريته السياسية عن الاجتماعية، ولا عن الظروف التي أحاطت بظهورها في النصف الأول من القرن التاسع عشر، إذ اتسمت هذه الفترة بحروب واضطرابات سياسية واجتماعية متعددة؛ من الحروب النابليونية إلى حرب القرم إلى الصراع بين الملكيين والجمهوريين وبين الليبراليين والمحافظين فضلاً عن الصراع بين العمال وأرباب العمل.

كل ذلك قاد “كونت” إلى التفكير بوضع علم للمجتمع أو “دين للإنسانية على حد زعمه، يجنبها النزاعات السياسية ويحقق لها السلام الاجتماعي، وإشارته إلى هذا واضحة في الدرس الأول من “محاضرات في الفلسفة الوضعية” إذ يقول “إن هدف الفلسفة هي إعادة تنظيم المجتمع”.

وحتى لا نطيل في شرح نظريته الوضعية رأينا أن نستخلص أهم محاورها حتى نشرع في عرضها على ميزاننا العقلي ونعرض ما لها وما عليها وفق القواعد المنطقية.

الدراسة الإنسانية كموضوع علم الاجتماع يدرسها “كونت” في حالتين:

الحالة الاولى:

الاستاتيكا الاجتماعية؛ وهي دراسة المجتمعات الإنسانية في حالة استقرارها في فترة معينة من تاريخها وكذلك الاجتماع الإنساني في تفاصيله وجزيئاته وفي نظمه وقواعده السياسية والقضائية والاقتصادية والأخلاقية والدينية …إلى آخره، وفي عناصرها ووظائفه بهدف الكشف عن القوانين التي تحكم التضامن بين النظم الاجتماعية).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحالة الثانية:

الديناميكا الاجتماعية؛ في هذه الحالة تهتم السيسيولوجيا بدراسة قوانين الحركة الاجتماعية والسير الآلي للمجتمعات الإنسانية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه الإنسانية في تطورها.

أي دراسة الاجتماع الإنساني برمته وانتقاله من حال الى حال. هذه الحالة تقوم على أساس فكرة التطور والتقدم. تجيء ثمرة لدراسة “كونت” للديناميك الاجتماعية الذي رأى فيه: دراسة قوانين الحركة الاجتماعية والسير الآلي للمجتمعات الإنسانية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه الإنسانية في تطورها وقد أرجعها إلي:

أ. الدور اللاهوتي:

يقصد فيه “كونت” أن العقل سار على أساس التفسير الديني، فقد كانت الظواهر تفسر بنسبتها إلى قوى مشخصة أبعد ما تكون عن الظاهرة نفسها كالآلهة والأرواح والشياطين.

ب. الدور الميتافيزيقي:

في هذا الدور نسب تفسير الظواهر الى معاني مجردة أو قوى خيالية أو علل أولى لا يمكن إثباتها كتفسير نمو النبات بقوة أرواح النبات.

ج. الدور الوضعي ـ العلمي:

الدور العلمي هو أن يذهب العقل في تفسير الظاهرة بنسبتها إلى قوانين تحكمها وأسباب مباشرة تؤثر فيها كتفسير ظاهرة النمو النباتي بالعوامل الطبيعية والكيميائية والقوانين المؤلفة لهذه الظاهرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومن خلال هذا التفسير يحدد أن عوامل التغير الاجتماعي كما يرى كونت؛ أن قانون الثلاث حالات هو نفسه القانون الذي يفسر به جميع مظاهر تطور المجتمعات الإنسانية.

بل ويطبقه أيضا” على الفنون وتطورها وعلى الحضارة والقانون والسياسة والأخلاق، كما يقول؛ لا يمكن فهم تطور كل هذه الأمور إلا إذا وقفنا على تاريخ التطور العقلي؛ لأن هذا التطور في نظره هو المحور الأساسي الذي تدور حوله مظاهر النشاط الاجتماعي.

وقد ناقش هذه الحلول ليصل إلى تقرير حل واحد فقط، وكانت مناقشته كالتالي؛أن الوسيلة الأولى لا يمكن تحقيقها علميًا لأن المنهجين متناقضان تمام التناقض وتقدم أحدهما يستلزم ضرورة هدم الآخر. أما الحل الثاني؛ وهو القضاء على الطريقة الوضعية وجعل الناس يفهمون الظواهر في ضوء الطريقة الدينية والميتافيزيقية؛ فهذا الحل يتطلب ضرورة القضاء على الحقائق الوضعية التي حصلنا عليها.

ولو فرضنا أننا رجعنا بالمجتمع إلى ما كان عليه من قبل من حيث التفكير الديني الميتافيزيقي فهل نستطيع أن نحدّ من التفكير ونجعله يجمد على هذا الحال؟ وهل نستطيع أن نتحكم في القوانين الطبيعية التي حكمت على المراحل السابقة بالفساد؛ فنمنعها من أن تُحدِث النتيجة نفسها مرة أخرى؟ فكأننا نعيد الفوضى والجدل من جديد ونهدم المجتمع من حيث نريد له الإصلاح والتقدم.

وبناء على مناقشته الحلول وتبين أن الحال الأول والثاني غير صالحين؛ فقد قرر أنه لم يبق إلا حل ألا وهو أن نجعل التفكير الوضعي منهجًا كليًا عامًا ونقضي على ما بقي من مظاهر التفكير الميتافيزيقي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبعد هذا العرض لأهم أفكار “أوغست” كنا نستعرضها فقط سويًا بالنقد والتحليل، وللمقال تتمة.

اقرأ أيضاً:
نظريات علم الاجتماع على ميزان العقل (الجزء الأول)

أخلاق الفرد وتأثيرها على نفسه وعلى مجتمعه – هل الأمر مؤثر فعلاً ؟

الصراع الحضاري وأزمة الحضارة

 

 

مقالات ذات صلة