فن وأدب - مقالاتمقالات

عظماء البشرية نجوم سماوية تهدي الناس إلى صراطها المستقيم

صورة بسيطة تُجسد جزء من طريق الرسل والأنبياء والعرفاء في تربية الإنسان وإقامة الحضارة

في أي بلد تكون دائمًا هناك الثروات التي تحتكر لأقلية ما ونجد في المقابل أغلبية معدومة محرومة من أبسط حقوقها الطبيعية وحاجاتها الأساسية ورغم ذلك التفاوت الضخم بين الأقلية فاحشة السراء والأغلبية شديدة الفقر لا نجد تغيير لتلك التركيبة المجتمعية سوي بأيادي أحرار على مرد التاريخ وعلى رأسهم الأنبياء ولعل ما جعل هؤلاء بخلاف أي فرد آخر داخل المجتمع هي سلامة رؤيتهم للواقع ونُبل قيمهم وأخلاقهم وموازاة إرادتهم لإرادة الحق فيسعوا جاهدين لتطبيق العدالة ومنح الإنسان حريته وحقوقه.

البداية

شاب هندي من عائلة فقيرة؛ بالكاد يسد رب تلك الأسرة حاجتها وهو عامل بالبريد، تتكون أسرتهم من الزوجين وأخوين ذكور فقط، يتفشى الفساد في بلدهم ويسود فيه الفقر والمرض والجهل، يعشق بطل الفيلم الرياضيات ويتمني أن يصبح عالم رياضيات مشهور في أكبر الجامعات.

تساند الأسرة طفلهم بقدر استطاعتهم وينعم جو أسرتهم بالدفء والألفة، كما يرصد في سلوك الأب أدب وأخلاق تجسدهم أفعاله خلال عمله كساعي بريد ومواقفه الإنسانية مع الأسر التي يُقوم بتوصيل الرسائل لها.

في مسابقة ما يربح البطل ميدالية بالمركز الأول ويسمع من مقيم تلك المسابقة كلمات تشجيع وهو مسؤول بتلك البلد ومن تلك الكلمات تترسخ جملة أنه في خدمة الناس جميعًا في أي وقت.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد أن تمكن بطل الفيلم من القبول في جامعة مشهورة خارج بلاده لم يستطع أن يملك المال الذي يمكنه من السفر إلى هناك، وهو ما يجعل حلمه يتوقف، حتي أن والده قد مات خلف تلك الأحداث مباشرة ولاقت الأسرة بموته الكثير من الصعاب وكان من الواجب أن يعول الأسرة أكبر الأبناء ليحمل مسؤولية الإعالة لأسرته بعد غياب الأب.

فيبدأ البطل هو وأسرته في تدبير أحوالهم المادية من خلال إعداد رقائق الخبز في البيت وبيعها للناس.

في مشهد مؤثر يمد البطل رقائق الخبز المغلفة برسالة قبوله في جامعة كامبردج ويري تلك الورقة تحرق أمام عينه ومعها ينتهي حلمه.

النجاح خليفة السعي

وذات مرة يقابل بطل الفيلم أحد معلمين بلدته ومن كبار رجال أعمالها، فيدعوه لأن يتعين في مركز تعليمي يؤهل أبناء الأغنياء للالتحاق بــ “المعهد الهندي للتقنية” ويقضي البطل فترة كمعلم بعد أن يحظى بشهرة كبيرة في بلده.

وذات مرة أثناء احتفال ليلي؛ يخرج من الحفل ويري طالب يجلس على الرصيف ويقوم بحل معادلة رياضية فيساعده في حلها، وينصرف مع السائق الذي هو أب ذلك الطالب والذي لم يلتحق بأي مدرسة بالمناسبة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دار حوار بين البطل والسائق كان يسخر فيه السائق من ابنه؛ لأنه يستمر في المذاكرة لأنه يعتقد بأن أبناء الملوك يصبحون أمراء ولا شأن للمعدومين ولن يغير التعليم واقعهم هذا ، فيتذكر البطل رد والده على موظف البريد حينما قال” كان ذلك في العصور الوسطي، العالم تغير الآن”

فتستنهض تلك الأفكار والذكريات إرادته وتُفيق عقله، فيقرر إنشاء فصل دراسي للتعليم بالمجان لأطفال الفقراء بمساعدة أخيه، رغم قلة الإمكانات التي لديه ولكن رغم ذلك ينتشر الخبر في أماكن كثيرة ويجتمع الأطفال في الموعد، ويسمع رئيس المركز التعليمي ذلك الخبر فيهدده ومع ذلك يستمر سعي المعلم ولا يبالي،

ويمر فصل ذلك المعلم بالكثير من العقبات والصعوبات التي كان من أحدها كادت تكلفه حياته إلا أنه يستطيع رغم ذلك تعليم وتربية هؤلاء الطلاب وإعادة معالجة أفكارهم الخاطئة عن الواقع ويختتم الفيلم على مشهد يجمع المعلم بطلابه بعد نجاحهم جميعًا “الــ30 طالب” بالمعهد الهندي.

لم أتناول الكثير من تفاصيل الفيلم التي هي فعلاً غاية في الجمال ليبقى لحضراتكم قدر من الاستمتاع بمشاهدة ذلك الفيلم الرائع، وقد أحببت فقط أن أشارككم أفكاري حوله

وإليكم في الختام بعض النقاط التي جالت بخاطري في مواقف الفيلم المختلفة. أرجو أن أكون قد تركت أي أثر طيب سواء بترشيح ذلك الفيلم أو بأي فكرة شاركتها معكم

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إليكم الأفكار حول الفيلم :

-مجتمع بلا نخبة صالحة تنهض به وتوجه شبابه مجتمع غارق في الجهل وتتفشي به كل أشكال الفساد ببساطة كون الجهل هو أصل كل مفسدة في الأرض.

– دائما ما تستوجب الحاجة الإبداع العقلي والفكري لاختراع وإيجاد الحلول للمشكلات، فالبداية دائمًا تكون بالعقل المدرك للواقع ومحيط بالإمكانات ومستغل ومطوع تلك الإمكانات مهما قلت؛ للوصول إلى الغاية والنجاح.

-رؤية سليمة بالواقع موافقة للحق مع إرادة صلبة تذلل الصعاب وقد تستفيد منها كذلك.

– الحضارة يُجسدها التطور الإنساني والأخلاقي قبل التطور المادي.

– هناك نموذج غربي مصدر نحو شعوب العالم الثالث كما يطلقون عليه هم ذلك! ولكننا مرغمون ها هنا لذكر ما يشاع بين الناس ليصل المعني الذي نشير إليه – يُظهر الغربي وكأنه جنس أرقي أشد جمالاً وكمالاً عما دونه من الشعوب وقد تطور في كافة العلوم التجريبية لكونه كذلك – طبعًا مغفلين عباقرة العالم من كافة الحضارات – وللأسف تلك النظرة ترسخت في عقول الكثير من الشعوب ولعلنا في فيلمنا ذلك وجدنا نظرة التقليل التي مارسها موظف البريد من شـأن بطل الفيلم والذي جسد فيها تلك الحالة وللأسف لها مظاهر شتي في مجتمعاتنا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

-وللأسف وفق تلك النظرة ساق وصاغ الفكر الغربي معايير قياسية وقيم ورؤية شاملة للواقع تصيغ للناس سعادتهم أو راحتهم أو ارتقائهم أو حتى أشكال الملابس وطريقة الأكل ولم تسلم اللغة الشعبية أو اللهجة الدارجة بين الناس من يد ذلك الغزو مع الأسف والتي رغم ملاحظتنا إليها في الفيلم إلا أن الواقع كذلك يوضح نفسه حيث نسمع ونري الكثير من المواقف التي تستعمل داخل لغتنا بالكثير من الألفاظ والمصطلحات والكلمات الأجنبية بين من لهم لسان عربي واحد.

-مساندة الأب للأبن كان رغم بساطتها إلا أنها في مواقف كثيرة رصدنا مدي تأثيرها على عقلية الأبن ودعمها له.
– مدي قدرة الاخلاقيات الحميدة التي يتحلى بها الأب في تشكيل شخصية الابن وصياغة القيم له باعتباره يجسدها أمامه ويمثل دور القدوة له.

-رغم كون المعلم في الفيلم يعلم الأطفال العلوم الطبيعية (العلوم التجريبية) وهذا بخلاف ما تفعله النخبة من المفكرين في المجتمع إلا أن عمليته التعليمية لم تخلْ من عملية التربية وترسيخ بعض القيم وتصحيح بعض الأفكار.

– في لحظة ما تحولت غاية بطل الفيلم من غاية لتحقيق حلمه بأن يصير دكتور مشهور للرياضيات حول العالم إلى غاية إنسانية جديدة وهي النهضة بمجتمعه وتغيير ذلك الواقع المرير من الفقر والجهل والفساد.

– في مشهد مؤثر يظهر البطل فيه وهو بجوار دور عبادة يقدم الناس القرابين المالية والتي تظهر في الكادر وكأنها تشير لواقعنا وما يحدث فيه من المبالغة في تزيين دور العبادة مهما كانت تابعة لأي دين؛ في حين يعاني الكثير من الناس داخل المجتمع من الفقر. وتلك الأموال الزائدة تستمر في تزيين ما يسمي ببيوت الله والذين في الحقيقة يزينوها لتظهرهم هم في مظهر مرموق مجتمعيًا رغم أن الخالق نفسه لن يرتضي ذلك وهذا أمر بديهي عقلاً لا حاجة للرجوع وذكر النصوص الدينية.

– إدراك القوانين الطبيعية أي العلوم التجريبية مكن طلاب المعلم بأن يحسنوا إدارة الإمكانات لديهم ويتركوا الأساليب والأدوات والآلات التي تساعدهم في حياتهم.

-رغم فقر الإمكانات كذلك بوجود الأخلاق والقيم الإنسانية تقاسم الطلاب أكلهم مع بعضهم البعض بالإيثار والتكامل.

-دائمًا ما يحاول الفاسدون الأشرار قتل الصالحين الأحرار ومع ذلك لا يعبأ هؤلاء الأحرار بكيد الأشرار ومكرهم حتى وإن كان نتيجة ذلك أرواحهم، ولأن ما بناه الصالحون هو الحق الذي أحيوا به النفوس؛ فهم في الحقيقة لا يموتون أبدًا حتى وإن فارق جسدهم عالمنا وكأنه مطر صنع نهر جاري لا يتوقف أبدًا.

اقرأ أيضاً:

قراءة في فيلم

أهمية النخب في المجتمع

 التعليم وعلاقته بالتغيير

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة