قضايا شبابية - مقالاتمقالات

سر أسرار التخلف

كلما تعمق المرء في أحوالنا وجد أن سر أسرار التخلف الذي نعانيه يكمن في أزمة الإدارة، فنحن نعاني سوء الإدارة بدءًا من سوء إدارة أصغر وحدة إدارية إلى إدارة وزارات الدولة كلها، إذ إن ثقافة التخلف التي تجتاحنا غرست فينا الاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الكفاءة في تعيين المديرين والوزراء، كما أننا توارثنا منذ زمن بعيد أن الأقدمية في الوظيفة مناط التأهيل للوظيفة الأعلى، متناسين أن العلم والمؤهلات الأحدث والمناسبة للوظيفة هي الأهم.

مظاهر سوء الإدارة

كذلك توارثنا أن من يدير المؤسسة –أي مؤسسة– أو من يدير الوزارة –أي وزارة– هو الأعلم وهو الأعظم وهو صاحب الأمر والنهي، حينما يقول فأقواله حكم وحينما يأمر فأمره مطاع، لا أحد يتكلم بعده ولا أحد يناقشه! كأنه يتحول فجأة من إنسان أو موظف عادي إلى “عبقري زمانه ووحيد عصره”! ولا غرابة في ذلك فنحن لا نزال أسرى مقولة فرعون موسى الذي قال لقومه “أنا ربكم الأعلى”، فكل مدير أو وزير يتحول إلى “رب المكان الأعلى”، فيتصور أن بيده كل شيء، وهو المتحكم في مصير وأرزاق العباد الذين يرأسهم، وهو المعطي وهو المانح، فمن رضي عنه منحه كل الصلاحيات والعطايا والمكافآت، ومن غضب عليه حرمه كل ذلك! وأنه “بجرة قلم” يستطيع أن يرفع أحدهم إلى أعلى مكانه و”بجرة قلم” أخرى يستطيع أن يخسف به الأرض!

ينسى هذا “الرب الأعلى” أنه كان بالأمس أحد هؤلاء المرؤوسين، ينسى أنه كان مثلهم يعاني مثلما يعانون ويتمنى ما يتمنون! وسرعان ما ينسلخ عنهم منتميًا إلى طبقة أخرى بأحلام ومطامع جديدة! وبدلًا من أن يسعى إلى إصلاح أحوالهم والعمل على تلبية مطالبهم أولًا، يجعلهم في ذيل اهتماماته، بل ينظر إليهم من علٍ مُبدلًا تصوراته عنهم، فمطالبهم تصبح مبالغًا فيها وغير عادلة! وأحلامهم في الاستقرار والرخاء تصبح غير مقبولة وغير مبررة! وهكذا تتبدل أحوال الرب الأعلى من الحنو على الرفقاء والعطف عليهم والدفاع عن مطالبهم وتلبية حاجاتهم، إلى الانفصال عنهم سعيًا وراء تحقيق تصوراته هو ومطالبه هو، والطريف أنه عادة ما يتصور أنه بالسعي إلى تحقيق طموحاته الشخصية أنما يحقق طموحات مرؤوسيه!

فن الإدارة الناجحة وأساليبها

سوء الإدارة

إن الإدارة الناجحة أيها السادة إنما تبدأ من تغليب مصلحة المرؤوسين على مصلحة الرئيس الشخصية، تغليب مصلحة المؤسسة أو الوزارة على مصلحة من يديرها! تبدأ من دراسة أحوالها وأحوال العاملين فيها والبحث عن كيفية الارتقاء بهم وتحسين أحوالهم، وإن نجح المدير في ذلك سينجح بلا شك في كسب ثقتهم واحترامهم، وستكون هذه البداية الحقيقية للإنجاز والتقدم وتحقيق النجاحات المتتالية في مجال عمله وعملهم!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن الإدارة الناجحة تبدأ من الاستماع إلى مطالب المرؤوسين، ودراسة مشكلاتهم في العمل ومعرفة المعوقات الحقيقية التي تعوق نجاحهم في عملهم، وهي عادة في الغالب تعود إلى عاملين اثنين، أحدهما معوقات مادية مثل النقص في الإمكانيات وعدم كفاءة المعدات المستخدمة، ومعوقات إدارية تتعلق بكيفية إدارة العمل نفسه، إلخ. أو معوقات معنوية تتعلق بعدم رضا العاملين عن أوضاعهم الوظيفية وعن بيئة العمل التي يعملون فيها! ورغم أهمية السير في الاتجاهين الإصلاحيين معًا للارتقاء بالعمل والعاملين فإنني أرى إعطاء الأولوية للعامل الثاني، إذ إن العمل على إسعاد العامل أو الموظف وتحسين بيئة العمل قد يكون العامل الحاسم في إزالة كثير من معوقات العمل المادية، فالإنسان السعيد بوضعه الوظيفي وظروف عمله سيكون مبدعًا في التغلب على كثير من مشكلات العمل، وسيكون مبدعًا في مواجهة التحديات التي تواجهه!

خطوات الإدارة الناجحة

إن الإدارة الناجحة تكمن إذًا في القدرة على إيجاد الآليات والوسائل القادرة على إسعاد العاملين وتحسين بيئة العمل، قبل وضع الخطط المادية وفرض أهداف صاحب العمل أو مديره وطموحاته على العاملين بعيدًا عن تقدير ظروفهم وتلبية مطالبهم، تلك في اعتقادي فلسفة الإدارة الناجحة: الإدارة بالحب، وليست الإدارة بالخطط والأهداف المفروضة من علٍ أو ممن يتصور أنه “رب العاملين الأعلى”!

مقالات ذات صلة:

من المفيد فهم هذه الشخصية

المغالطات المنطقية فى الحياة العملية

أمثلة معاصرة لقصة الثعلب مقطوع الذيل

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. مصطفى النشار

رئيس الجمعية الفلسفية المصرية، ورئيس لجنة الفلسفة بالأعلى للثقافة