علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

هل أنت بحال جيد؟ .. الجزء الثالث

تكلمنا سابقًا أن جذور سوء الحال تكمن بدرجة أساسية في أفكارنا التي تشكل اعتقاداتنا ورغباتنا، كما ذكرنا أن الشكر عامل محوري ورئيس في حسن حال الشخص، هذا الحال الجيد هو أمر شديد الأهمية ليس فقط لطلب الناس الفطري له، بل لأنه يعد مؤشرًا لأنواع كثيرة من السعادة الحقيقية.

هنا يمكن أن نشير إلى بعض المؤشرات للوصول إلى مرحلة من حسن الحال الحقيقية، فقد ينخدع البعض بأنه وصل إلى الحال الجيد نتيجة بعض التغيرات الجيدة في حياته، لكن سرعان ما يرجع إلى حاله السابق سريعًا، لذلك نجد أن الحال الجيد يتسم بالاستمرار والعمق الذي يحدث تغييرًا حقيقيًا في نفس الإنسان وسلوكه.

ما الذي يجعل الإنسان حزين؟

إذا كان الشكر من أسباب حسن الحال، نجد على النقيض أن من أهم أسباب سوء الحال الحزن والغم، ولو رجعنا إلى سبب الحزن الحقيقي –والذي يزيد الإنسان غمًا– لوجدنا أن الخوف من فقدان المحبوبات وفوات المطلوبات هما السبب الرئيس في ذلك، وهنا نحتاج إلى مزيد من التوضيح حول الحزن.

هنا الخطاب للقوى العاقلة فيك، نحفز ذهنك بمجموعة من التساؤلات، لِم تحزن على فقدان محبوباتك ونحن نعيش في عالم الكون والفساد –يعني العالم المادي– والذي من طبيعته التغير؟ فالإنسان الذي يجعل مطلوباته ومحبوباته من الأشياء الحسية الموجودة في العالم الحسي غاية نهائية، يكون عرضة للشعور بالألم والحزن، لأن المحبوبات والمطلوبات الحسية عرضة للفساد والزوال، مثل امتلاك كثير من الأموال والرغبة في عدم نقصانها، أو بقاء الصحة كما هي على أحسن حال، فتلك الأشياء من المحال أن تبقى على وتيرة واحدة لأن ذلك من طبيعة الحياة المادية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما المحبوبات والمطلوبات العقلية مثل الأخلاق الحسنة والعلم النافع والسلوك المستقيم فدائمة وثابتة، لا تفسد ولا تفوت، ولذا إذا أراد الإنسان أن يكون سعيدًا وأن يقي نفسه آلام الحزن فينبغي أن يجعل محبوباته ومطلوباته من العالم المعنوي، وهذا لا يعني ترك الحياة الدنيا، بل المقصود تقليل التعلق بها قدر المستطاع، لأنها متغيرة وغير ثابتة على وتيرة واحدة كما يرغب الإنسان.

كيف تتجاوز الحزن وتتقبل الواقع الجديد؟

gkmqwlxwa2zgdahytji4h2pty5ngwqsq - هل أنت بحال جيد؟ .. الجزء الثالث

يمكن الإشارة هنا إلى أن تجنب الحزن من ذلك الجانب المعرفي يعد من أهم مداخل تحسين الحال، والذي يعد أمرًا ضروريًا لجميع الناس، إلا أنه يكون في غاية الأهمية لفئات ثلاث، وهم أولئك الذين تسوء أحوالهم بسرعة وسهولة وتستمر أحوالهم السيئة لفترات طويلة، ولا يقدرون على تحسين أحوالهم بسهولة.

والفئة الأخرى تلك التي عند سوء حالها تنكر الجميل، مما يؤثر سلبًا على حياتهم العامة، فهؤلاء غالبًا ما ينكرون كل نعمة هم فيها نتيجة سوء حالهم في فترة من فترات الحياة، فلا تجدهم يلتفتون إلى باقي النعم من صحة أو عمل أو أسرة أو غيرها من النعم، التي تستوجب الشكر حتى لو كنا في فترات صعبة من حياتنا.

هناك فئة أخرى تهتم بحسن حالها لكنها ترغب في أن تكون أحوالها حسنة إلى حد كبير جدًا، إذ يحسبون أن ما هم عليه من حسن الحال لا يكفيهم، وهذه مرحلة جيدة من الوعي، إذ إن الحال الجيد يفتح آفاقًا جيدة وكبيرة للإنسان لمزيد من الرقي الإنساني على المستوى المعرفي والأخلاقي والسلوكي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سبب الحزن الداخلي

بالرجوع إلى الحزن الذي هو من أسباب سوء الحال نجد أن سببه الحقيقي هو الخوف، لأن فقدان المحبوبات وفوات المطلوبات كما ذكرنا سابقًا في الحقيقة خوف من الفقد الذي يسبب لنا الحزن في مرحلة لاحقة على الخوف، ونحن لا ننكر وجود الخوف ولا ننفي وجوده، بل نجد أن هناك خوف جيد من قبيل الخوف من الضرر والخطر والذنب والخوف من الظلم.

لكن ما يهمنا التحذير منه ما نعده خوفًا في غير محله والذي يسبب سوء الحال، ولكي نوضح المطلوب نستعرض سويًا بعضًا من تلك النماذج للخوف في غير موضعه، والتي تداهم كثيرًا من الناس وتغير حياتهم لحال سيئ.

إن للخوف مقدارًا واضحًا في الحالات التي يجب الخوف فيها، كونها حالات طبيعية وفطرية يكون الخوف فيها ضروريًا، لكن نجد الكثير يتعدى ذلك الخوف الطبيعي ليكون الخوف سمة في حياته، فيخاف من المبادرة خوفًا من نتائج الأعمال، ويخاف من الغد الذي لا يعلم عنه شيئًا، يخاف من فقدان الوظيفة التي يعمل بها حاليًا، يخاف من المرض في الوقت الذي يكون فيه بصحة جيدة.

هذا النمط من الخوف يسبب بلا شك شقاء الإنسان وسوء حالته بكل تأكيد، ولا سبيل للتحرك نحو حسن الحال إلا أن نترك هذا النمط من الخوف المدمر.

يتبع..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

أعراض الاكتئاب الجسدية

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

 

مقالات ذات صلة