مقالاتسارق ومسروقفن وأدب - مقالات

سارق ومسروق – الوجه الرابع والعشرون

أربعون وجها للص واحد "متتالية قصصية"

لم يكن هذا الوجه سوى قصيدة من أبيات عدة، أرسلها المسروق إلى السارق، قرأ القصيدة متعجبا، فهو يعرف أن الرجل لا يقرض الشعر، إنما يتذوقه فقط، فقال لنفسه:

ـ نقلها من كتاب ما.

ارتاح لهذه الفكرة، بعد أن أعاد قراءتها، ولم يجد اسم الشاعر مكتوبا تحتها أو فوقها، وقال لنفسه:

ـ الحال من بعضه، هو يسرق أيضا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المعاناة تخلق الإبداع

أخذ أبياتا من القصيدة، ووضعها على محرك البحث “جوجل” ليكشف اسم كاتبها، وهو يمني نفسه بأن يرسل إلى المسروق رسالة، يقول له للمرة الأولى:

ـ أنت لص.

لكنه لم يجد أي شيء يدل على أن القصيدة قد كتبها أحد، فتعجب من أن المسروق قادر على

نظم القصائد. وتذكر ما سمعه من مدرس اللغة العربية في حصص قديمة لا يريد أن يتذكرها أبدًا:

ـ المعاناة تخلق الإبداع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قهقه؛ إذ أدرك في هذه اللحظة أنه قد سبب للمسروق معاناة شديدة، طالما كان ينتظرها، وهو يراه كريما مقبلا على الحياة. ورغم أن بعض كرمه كان يذهب إليه، إلا أن السارق ظل طيلة الوقت مجذوبا إلى أحقاد تستعر في نفسه، لا يعرف لها سببا، جعلته يتمنى أن يرى المسروق يوما يكابد وجعًا ما، ربما مرضًا، أو سجنًا، فهو مناضل سياسي لا سلطان عليه سوى ضميره، وربما مجازفة ترميه فقيرا، لا سيما أنه توقف عن العمل بالطب، بعد أن حقق فيه نجاحا عريضا.

حوار قديم

يغمض عينيه فيستعيد حوارا قديما دار بينه وبين طبيب في قلب القفر الأصفر، ذات صيف مقبض، حيث لا ماء ولا هواء، حين قال له:

ـ أعد الساعات لأمشي من هنا.

نظر إليه في غيظ، وسأله:

ـ هل تضيق بشرف تؤديه؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ابتسم، وقال:

ـ أريد أن أمضي منه إلى شرف أعظم.

نظر إليه مستنكرًا، وقال:

ـ هل جننت؟ هل هناك ما هو أعظم مما نحن فيه؟

هز رأسه وقال:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ـ عظمة أي مهمة في الحياة لا يحددها أصحابها إنما الذين يهمهم تأديتها.

كانت القصيدة تقول شيئا من هذا القبيل أيضا، وكأن الطبيبين، الأول الذي لم يقابله منذ افترقاهما، والثاني الذي يطارده حتى في أحلامه، قد اتفقا على ذلك من وراء ظهره.

أراد أن يقرأ القصيدة من جديد، لكن حروفها كانت تتناثر في عينيه، ويضرب بعضها بعضها،  ثم تمرق وتصفع جبهته وخديه. هز رأسه فاستعاد توازنه ونظر إليه في إمعان، فوجد وجهي الطبيبين يتعانقان بين كل شطرين.

اقرأ أيضاً:

الوجه الأول، الوجه الثاني، الوجه الثالث، الوجه الرابع

الوجه الخامس، الوجه السادس، الوجه السابع، الوجه الثامن، الوجه التاسع 

الوجه العاشر، الوجه الحادي عشر،الوجه الثاني عشر ، الوجه الثالث عشر

الوجه الرابع عشر، الوجه الخامس عشر،الوجه السادس عشر، الوجه السابع عشر

الوجه الثامن عشر،الوجه التاسع عشر، الوجه العشرون، الوجه الحادي والعشرون

الوجه الثاني والعشرون، الوجه الثالث والعشرون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة