مقالات

حضارات النار- الجزء الثاني

في المقال السابق اكتشاف النار بيَّنا فيه أن الإنسان اعتبر النار القوة الطبيعية الغامضة التي لم يفهمها، وسحرته وسحر بها وعلى الرغم من ذلك لم يستسلم لها بل روّضها لمصلحته على قدر المستطاع وكان ذلك إيذانا لما بعد في قيام حضارات على النار والتي بلا شك أفادت الإنسان في بناء إمبراطوريات تسمت الحضارات الكبرى باسمها؛ وكيف لا؟

والنار قد ساهمت في صقل الأسلحة وتقويتها وكان لها الدور في تشكيلها من أول الأسلحة التقليدية القديمة منها والحديثة وانتهاءا بالأسلحة غير التقليدية والتي قُلت سابقا أنها كانت لها الدور في قيام الحضارات والإمبراطوريات والدول الكبرى .

النار والدين

كان للنار المكانة والتأثير في الدين والذي يشكل جزءا مهما في أي ثقافة للشعوب صاحبة الحضارات فكان حرق الجثث من العقائد والطقوس وكان أول حرق للجثث بالنار في أستراليا قبل عشرين ألف عام، ونجد عند الهندوس وهي ديانة ظهرت قبل آلاف السنين في شعائرهم وطقوسهم عند الموت تحرق الجثث وينثرون رمادها في نهر الجانج،

وعند الهندوس كانت عقوبة سماع أحد أفراد الطبقات الأدنى لنصوص الفيدا المقدسة التي يتلوها الكهنة تعد جريمة عقوبتها صب سائل الرصاص المغلي بالنار في أذن السامع المسكين، وفي الديانة الزرادشتية في الحضارة الفارسية القديمة للنار مكانة عالية فهي رمز للإله أهورامزدا عند الزرادشتيين

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكانوا يعتبرون النار من العناصر المطهرة مثلها مثل الماء والهواء والتراب حتى قيل أن من علامات ولادة النبي الكريم انطفاء النار المقدسة في معابد الزرادشتيين، وأما الأديان السماوية فالعامل المشترك بينهم في العقاب الوعيد بالنار لكل ظالم مجرم جبار .

الصين والنار

كانت الألعاب النارية لها من الميزة والأهمية الكبرى في حياة الصينيين في القرن السابع قبل الميلاد في المهرجانات والاحتفالات الخاصة بهم، وحدث فيما بعد أن أفادتهم النار عند حصار المغول لهم بقيادة جنكيزخان في عام 1232م حيث استخدم الصينيون في مواجهتهم ولأول مرة في المعارك العسكرية البارود فيما يعرف بالرماح النارية المعبئة بالبارود .

حريق لندن والثورة الصناعية

كان لحريق لندن عام 1666م الفضل في تنبيه العقل الأوروبي بما يلزم استعدادا لثورته الصناعية ومدخلا لحضارته الحديثة. كانت مدينة لندن في القرن السابع عشر الميلادي أشبه بقرية صغيرة البيوت فيها خشبية فوق بعضها البعض قريبة من بعضها البعض وشوارعها فوضوية غير منظمة وقذرة،

وحدث حريق في أحد الأفران وسرعان ما امتدت النيران لتحرق تسعين كنيسة وثلاثة عشر ألف منزل وتشرد مائة ألف، ولم يكن هناك وقتها مطافئ للإطفاء، وكان إعادة بناء ما تهدم الشرارة الأولى للنهضة الصناعية لأوروبا حيث ولدت الثورة الصناعية بالتفكير في إعادة تشكيل المدن على نحو علمي وكذلك الرعاية الصحية واستخدام الرياضيات والهندسة في البناء وتخطيط الشوارع والتفكير في عمل مطافئ للإطفاء.

النار والفضاء

كان لتجارب العالم الأمريكي الفيزيائي روبرت جودارد الفضل في استخدام الصواريخ العاملة بالوقود السائل لاختراق الفضاء بالقوة النارية الطاردة وكأن النار كان لها العامل المهم في ظهور الحضارات والإمبراطوريات الكبرى لتنتهي الرحلة البشرية بنفاذ الإنسان للفضاء بواسطتها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي الآية الكريمة: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}.

وكأن الإنسان ما نفذ للفضاء إلا بسلطان العلم البشري الذي اكتشف النار .

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

فهرنهيت.. خذ صراعاتك إلى المحرقة!

احذر النار لتلسعك

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة