مقالات

حياة يقودها عقلك أفضل بكثير من حياة يقودها ناس-فلتحدد القيم2

تذكرة بحرب القيم

تكلمنا في الجزء الأول من المقال عن حرب القيم و كيف تم الهجوم على أهم القيم في  العالم على الإطلاق، فتكلمنا عن الحق ثم الحرية ثم العدل، وطرحنا في بداية المقال سؤالا يقول: ما الذي ستفعله إن كانت كل قيم العالم تحت الهجوم وفي حرب ؟

سنحاول أن نجيب على هذا السؤال في نهاية الجزء الثاني من المقال،  لكن قبل ذلك اختتمنا الجزء الاول بالتكلم عن المادية التي نشأت من قيمة النفعية، والتي تم استبدالها مكان قيمة العدل! وكيف تدخلت المادية في كل الأمور من حولك حتى دخلت في قيمة السعادة وأصبحت أساسًا لها !!

إذًا هيا ننتقل لقيمة السعادة، القيمة التي يسعى إليها كل إنسان بالفطرة، فيقول أبو حامد الغزالي: “الفتور عن طلب السعادة حماقة”، فمنْ منّا يتكاسل عن طلبها في كل زمان ومكان ؟ السعادة التي أصبحت في شرائك لشيكولاتة أو سيارة أو سكن جديد، أو بمعنى أشمل في شرائك لأي شيئ تلتذ به لذة وقتية تنتهي بانتهاء وقت ذلك الشيء ! أو التي أصبحت في مشاهدة فيلم أو مباراة أو في خروجة أو في السفر، أو في سماعك لأغنية ما، أو في الأموال الكثيرة أو عندما تكثر تلك الأموال!

وإن كانت تلك الأشياء وغيرها غير موجودة، فلا يصبح الإنسان سعيدًا ويدخل في حالة من الحزن ولما لا الاكتئاب! فلا عجب حقًا في رؤية الناس من حولنا غير سُعداء، فنراهم تعساء في أغلب الأوقات. فإن كانت تلك السعادة فأنا لا أريدها حقًا فهي سعادة وهمية …

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العقل

أما وجهة نظر المنهج العقلي في تلك الأمور التي ذكرتها، يضع لها تعريفًا صحيحًا فيقول عنها بأنها تشعرك بحالة من الانبساط أو البهجة أواللذة، ولكن ليست سعادة. إذًا فما هي السعادة الحقيقية من وجهة نظر الفلاسفة في المنهج العقلي؟ يقول أرسطو -المعلم الأول– في كتابه( دعوة للفلسفة ): بأن ” السعادة هي أجدر الأشياء جميعًا بالاختيار”ويعرفها بأنها ” ملكة عقلية أو نوع من الحكمة أو أخلاق فاضلة او أعظم قدر ممكن من الفرح أو بأنها تعني كل هذه الأمور مجتمعة”، ويقول أرسطو أيضًا في نفس الكتاب: السعادة هي “القدرة على التفكير”.

وهذا التعريف هو منطلق حديثنا عن تعريف السعادة، لكن قبل ذلك يعرف الفلاسفة العقلانيون السعادة بأنها “تكامل الانسان سواء على مستوى الفكر أو المعرفة أو الأخلاق بالإضافة إلى السلوك”، إذًا كيف تكون القدرة على التفكير السليم هي السعادة الحقيقية للإنسان ؟

يوجد في علم المنطق متتالية تتكلم عن أن منبع سلوكيات الإنسان هي من أفكاره، ومنبع أفكاره من طريقة تفكيره، فإن كانت طريقة تفكير إنسان ما مادية، فستكون لديه أفكار عن كيف يجمع المال، فيقضي طوال عمره في حرب جمع المال فقط وكأن الإنسان خُلق لذلك! وكأن الانسان عبارة عن جسم فقط يشبع رغباته وشهواته بالمال!

إذًا لو كانت طريقة تفكير الانسان سليمة حقًا، فستكون أفكاره ومن ثم سلوكياته سليمة بالضرورة إن عَمل بتلك الأفكار فهذا هو التكامل السلوكي، أما التكامل الأخلاقي فيكون في مجاهدة النفس لاكتسابها الأخلاق الفاضلة، والحفاظ عليها والعمل بالخير، أما التكامل المعرفي فيكون في معرفة الحق، وأما التكامل الفكري فيكون في تعلم العلوم العقلية فهي أهم العلوم على الإطلاق، لأنها تخاطب عقل الإنسان فالعقل هو الذي يتميز الإنسان به عن باقي المخلوقات.

 !حتى الحزن

وحتى الحزن لم يخلو من المادية فيقول الكندي أن الناس تحزن بسبب “فقد المحبوبات وفوت المطلوبات”، فيحزن الإنسان على إنسان آخر فقده او ابتعد عنه بقصد أو بدون قصد، بسبب سفر أو الانشغال عنه، فما أكثر ظروف الحياة! ويحزن الانسان أيضًا على شيء لم يحصل عليه، فمثلًا كالحاسب الآلي أو عندما ينكسر تليفونه المحمول، او خدمة من إنسان لم ينفذها وما شابه ذلك من الامور المادية التي من ممكن أن توجد ومن الممكن ألا توجد، ونصيحة الكندي لنا أن نُقلل ارتباطنا بالماديات، فكلما كان الانسان أبعد عن الماديات، كل ما كان أبعد عن التعاسة والشقاء، وأقرب للسعادة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فمن المفروض ألا يحزن الانسان على نقص ماله أو تفويته لرحلة أو خروجة أو لأنه لم يشتري كذا وكذا ، فالمادة طبيعتها الزيادة والنقصان، فزيادة المادة يجب ألا تُسعدك ونقصها يجب ألا يُحزنك، أما الحزن الحقيقي فيكون كما يقول الكندي هو ” فقدان الخيرات النفسانية “، فالإنسان يجب أن يحزن أشد الحزن عندما يكون لديه من الأخلاق الفاضلة ويفقد إحداها كالكرم والجود والإيثار مثلًا، فهذا الفقد هو الذي يجب أن يحزن عليه الانسان حقًا.
وبعد عرض بعض أهم القيم في هذا العالم –في الجزء الأول والثاني من المقال – وكيف تم الهجوم عليها، هنا يجب أن يتم طرح سؤال مهم: لماذا كل هذا التدليس على بعض أهم القيم على الاطلاق ؟

خلاصة الأمر

منبع كل هذا التدليس في حقيقة الأمر هو حب المادة التي هي زائلة لا محالة، بالإضافة إلى تفضيل الأنا على الحق والخير، والبحث عن المصلحة الشخصية بدلا من مصلحة المجتمع. لكن إن كنا ندرك أن المادة ليست بالغاية الحقيقية، وأن أفضل كمال للأنا هو توجيهها لسبيل الحق والخير، وأن بناء مجتمع فاضل يُفضل الإنسان فيه مصلحة المجتمع على مصلحته الشخصية يعود بالنفع على كل الأفراد؛ لأصبح واضحا لنا أن تلك القيم هي الأحق أن يُعمل بها، فإن عُمل بها فهي أساس المجتمع الفاضل.

المجتمع الذي يسوده كل الأخلاق والصفات الفاضلة، فما أجمل مجتمع يسوده العدل والخير ويتبع الحق، أليس هذا بمجتمع نطمح ونسعى له؟ فنحن سئمنا حقًا من ذلك المجتمع الذي نعيشه، المجتمع الذي يسوده الظلم والشر ودائمًا ما يتبع الباطل الذي غالبًا ما يكون في صورة الحق.
فما الذي ستفعله بعد أن تأكدت أن كل تلك القيم تم الهجوم عليها في هذا العالم ؟

يجب علينا تصحيح مفهوم تلك القيم عند الناس لكي تكون سلوكياتهم سليمة، و لكي يقدروا على أن يتصدوا لذلك الهجوم الذي يبدو أنه سيستمر في ظل غياب الوعي والمعرفة وانتشار الجهل، لكن الأفضل من التصدي لذلك الهجوم هو أن نُحاربه نحن، بنشر الوعي والمعرفة،  فهنيئًا لمنْ تحمل عناء ذلك الأمر، حقًا هنيئًا له، فإنها حرب القيم ومعركة وعي ومعرفة، وسينتصر حتمًا منْ هو على حق.

اقرأ أيضا:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حرب القيم – 1

سراب الحياة

 اعمل نفسك ميت

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خالد حسام

عضو فريق مشروعنا بالعقل نبدأ المنصورة

مقالات ذات صلة