إصداراتمقالات

إلى من نستمع؟ العقل أم الدين؟

العلاقة بين العقل والدين

الإنسان محب للاستطلاع بفطرته،

ويسهل تبين ذلك في الطفل الصغير دائم التساؤل عن علل الأشياء ومعانيها،

وإذا كان العالم يشغل فكر الإنسان فمن باب أولى أن تشغله نفسه فإن معرفة النفس مقدمة على غيرها

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فيسأل الإنسان عن سر وجود نفسه ومنشأها ومصيرها والحكمة من وجودها

وأي السبل سيؤدي به إلى سعادتها،

ومن ثم كانت الأسئلة الوجودية كمِن أين؟ وإلى أين؟ وفي أين؟

هي شاغل أساسي له ومحرك رئيسي له للبحث عن إجابات شافية تكفل له تفسيرًا لذاته..

حدود العقل و الدين

وإذا كانت إجابات تلك الأسئلة تشكل ما يصطلح عليه بالرؤية الكونية للإنسان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أي رؤيته لما هو كائن ونظرته التفسيرية للعالم ومن قبله لنفسه

وهي تمثل أصول أي دين أيضًا، فينتج من ذلك أن البحث عن الدين أمر فطري في الإنسان.

وبالعقل البرهاني يصل الإنسان إلى وجود منشأ لهذا العالم

هو إله حكيم عادل عليم بخلقه وما من شأنه أن يصلحهم،

وذلك العقل مدرك تمامًا لحدود حكمه وإدراكه وهي منطقة الكليات والبحث في الأصول والمبادئ العامة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بينما الخوض في التفصيلات والجزئيات فليس للعقل مدخلية إليها

وعليه فحريم العقل البرهاني محدد على نحو ما بالكليات

دون تجاوزها للأمور الاعتبارية التي اكتسبت وجودها من اعتبار المعتبر لها كالأحكام الشرعية والقوانين الوضعية

وذلك لغياب حدودها الوسطى عن الإنسان

فمثلًا العقل يحكم بوجوب شكر المنعم ولكنه لا يدرك على أي كيفية يكون هذا الشكر،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولا في أي وقت يكون تأديته، ولا على أي هيئة وبالتالي يسقط الحد الأوسط في القياس كالتالي

شكر المنعم واجب (قاعدة كلية يحكم بها العقل):

الصلاة خمس مرات يوميًا فيها الظهر أربع ركعات من شكر المنعم (حد أوسط لا يستطيع العقل الحكم به)

 الصلاة خمس مرات يوميًا فيها الظهر أربع ركعات واجب

وكذلك العقل يحكم بحسن العدل وقبح الظلم،

لكنه لا يستطيع التوصل لمعظم مصاديق العدل والظلم،

وتلك المنطقة الواسعة من الجزئيات والتفصيلات والتي تعرف بمنطقة الفراغ العقلي

تملؤها الشريعة الغراء بعد استدلال العقل على أحكامها ومبادئها الكلية بالعقل البرهاني،

وبعد حكمه بيقينية نصوصها بالوسائل التي تحصل بها يقينية النصوص من قبيل التواتر.

فبعد وصول الإنسان لرؤية كونية سليمة، واستدلاله على وجود إله وعلى صفات هذا الإله،

فإن الدين بشريعته من ثم يشكل للإنسان منهاجًا لحياته يهديه فيها ويكمل له مناطق الفراغ العقلي لديه

بما يمثل أفضل طريق يمكن للإنسان السير فيه؛

حيث يرشده لما به يكون كمال نفسه بشكل تفصيلي من قبيل السلوكيات والعبادات

التي تساعده على القرب من منبع الكمال المطلق والتي تهيئ نفسه لاستقبال الفيوضات الإلهية،

وذلك بعد أن استدل العقل على أن كماله الحقيقي يكون في قربه من منبع الكمال ومصدر الخيرات وفي تشبهه بأخلاقه.

الأنبياء وتوجيه البشرية

وهكذا فإن الدين يحدد إطار حياة الإنسان،

وقد شخص الدين دور الإنسان بخليفة للإله في الأرض أو سفيرًا له،

ووضع له البنية التفصيلية لحياته بما يكفل له ترَقِّيا مستمرًا وسعيا دائما نحو مقام الكمال المطلق،

وأقام للإنسان القيادات المعصومة الهادية له بهدى الحق ممثلة في أنبيائه ورسله

والمسددة من الله والتي هذبت نفسها وجاهدتها لتخرج منها كل رذيلة وأنانية

واهتمت بتنمية المبادئ المعنوية والخلقية التي تسعي لتطبيع المجتمع عليها قدر الإمكان،

وهذه القيادة المعصومة تقود المجتمع وتربي المجتمع والأفراد على التربية الفكرية السلوكية السليمة

ثم تراقبه وتقوِّمه في حالة حيوده وانحرافه عن تلك القواعد مما يتنتج عن هذه التربية فردًا متكاملًا

على الجانب الفكري والسلوكي يسعى قدر طاقته إلى إقامة المجتمع السعيد

والمحافظة على قضايا العدالة في تحقيق الهدف وهو رضا الله،

وكذلك تمثل تلك القيادات قدوة للإنسان تلتزم بما تدعو إليه الناس

وترشدهم إلى الخير وما به يكون سعادتهم وتتحقق إنسانيتهم.

الإنسان يتكامل ويسمو بالعقل والدين معا

وبهذا فالعقل ببرهانه المعصوم

يستدل على الدين الذي يوفر للإنسان من بعد منهج الحياة التفصيلي للوصول لكماله الحقيقي،

ويرتب له أولوياته وشكل علاقاته،

ويوفر له إجابات تفصيلية عن مصيره ويحدد له قيادة يهتدي بهديها ويسير على خطاها

ويشخص له دوره الذي يصرفه عن كل مجاهل التخبط في العبثية واللاطريق،

فكأنما كان العقل البرهاني هو المصباح الذي به يهتدي الإنسان لكنزه الحقيقي وسفينته للوصول لبر الأمان.

أما عن حاجة الدين للعقل البرهاني

فإنها تتمثل في إثبات أصوله الكلية وصحة مبادئه العامة بموافقتها لأحكام العقل القطعية،

وكذلك في رد الشبهات عنه أمام المخالفين،

وله دور أيضًا في تفسير بعض النصوص الدينية

وكشف المعارف الاعتقادية إذا كانت من مناطق الكليات التي تدخل في حريم العقل البرهاني

فيجب ألا تفسر خلافًا لأحكام العقل القطعية كالتجسيم

مثلًا في قوله تعالي”استوى على العرش” فهو يؤول إلى معاني كالسيطرة التامة مثلًا

فقد أثبت العقل البرهاني تجرد الإله عن المادة وبالضرورة صفاتها من الاستواء وغيره،

وهكذا تتبين العلاقة بين العقل والدين فلا غنى لأي منهما عن الآخر.

 

اقرأ أيضا… العاطفة والعقل…حرب لا تنتهي وصراع يصعب على الكثير عقله

اقرأ أيضا… الصراع الحضاري وأزمة الحضارة

اقرأ أيضا… فلسفة الصراعات الصين نموذجا

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة