مقالاتفن وأدب - مقالات

بابل، هل يجب الحفاظ على لغتنا العربية؟ _ الجزء الأول

برج بابل ونشوء اللغات

اللغة وعاء الفكر، يعبر بها الإنسان لأخيه الإنسان عن مشاعره وأفكاره وكل ما يشغل باله، بل إن اللغة هي من أهم ما ميز الإنسان وكُرّم به عن غيره من المخلوقات، ولأهمية اللغة ذكرت في الأديان تفسيرات عن نشأة اللغة وسبب اختلافها بين البشر،

فمثلا في “العهد القديم” ذُكر في “سفر التكوين” أنه بأمر ملك ظالم قام الناس ببناء برج يسمى برج بابل ليطّلع ملكهم على الإله، فما كان من الإله إلا أن هدم بنيانهم، وبلبل ألسنتهم فأصبح لهم لغات ولهجات شتى، ومن هنا جاء اختلاف اللغات بين البشر على وجه الأرض، وبرج بابل كان موجودا في العراق، ويستخدم كثير من الكتاب هذه القصة عند الإشارة إلى أماكن كوزموبوليتانية -أي أماكن مختلفة اللغات متعددة الجنسيات والأعراق-، فيشيرون إليها على أنها أماكن بابلية.

كيف كان الاهتمام باللغة؟

ومن الغريب أنه مما لفت انتباهي لأهمية اللغة في حياتنا ليس كلام عالم لغوي أو مفكر أو باحث علمي، إنما مشهد في مسلسل تلفزيوني “هند والدكتور نعمان”، حيث الفنان كمال الشناوي دوره في المسلسل دكتور في علم الحيوان، بينما الفنان أحمد راتب الذي يحضر رسالة دكتوراة أخطأ وكتب في الرسالة “حيسما” بالسين بدلا من “حيثما” بالثاء، وعندما عاتبه الدكتور على هذا الخطأ قال له الطالب: “يا دكتور المهم مضمون الرسالة مش مهم اللغة”،

فغضب الدكتور وقال له إن اللغة وعاء الفكر وهي تاريخيًا أسبق من أى علم، فاللغة هي أول ما أنتجه الإنسان فكريًا وبالتالي فهي سابقة على أي علم، وبالتالي إذا وجد الخلل في اللغة فأكيد يوجد الخلل في العلم المعبر عنه بلغة خاطئة. انظروا إلى هذا الحوار المدهش الرائع الذي لا نجده في مسلسلات اليوم، بل نجد ألفاظا سوقية تعلم أولادنا الانحطاط والسفالة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مشهد تمثيلي أخر يظهر فية الفنان يوسف وهبي وهو يدرب مجموعة من الممثلين فيخطئ الممثل المتدرب في لغته العربية، حيث كانوا يمثلون بلغة عربية فصحى، فينبهه الفنان يوسف وهبي ويصحح له قائلا: “خلي بالك يا أخي ماتزعلش منا طه حسين عميد الأدب العربي” والذي كان رئيس مجمع اللغة العربية والذي كان مهمته الحفاظ على اللغة العربية،

أين نحن من اللغة العربية الآن؟

فما حال مجمع اللغة العربية اليوم؟ هل مذيعو البرامج التلفزيونية والعاملون في الإذاعة والصحافيون في الجرائد والفنانون في الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمؤلفون والأدباء الذين يكتبون الكتب والروايات -وهؤلاء يدخلون كل بيت بأعمالهم- هل هؤلاء يضعون في اعتبارهم مجمع اللغة العربية؟ لو كان الأمر كذلك لما وصلنا للوضع الحالي.

اللغة العربية اليوم لا تملك مقومات الصمود والمنافسة أمام اللغات الأخرى، والتي يتسارع العرب في تعلمها كاللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وأصبحت اللغة العربية في طريقها لأن تصبح في حكم اللغات الميتة، مع أنها لغة ما يقرب من أربعمائة مليون إنسان، فاللغة حيويتها لا ترتبط بعدد المتكلمين بها، بل تكتسب قوتها من قوة وإسهام أصحابها في الحياة بما ينفع البشرية ويضيف إليها.

فهل كانت بابل نعمة علينا نحن العرب أم نقمة؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة