مقالات

الشعار المشهور، من غشنا فليس منا! – حفظناها لغاية ما زهقنا مش كده؟

بداية الشعار المرفوع

في بداية المرحلة الابتدائية وعند الاختبار الأول، دخل المراقب ومعه أوراق الامتحان، وقال: عارفين طبعا إن… وإذ بالطلاب في صوت واحد، وبإجماع عجيب وكأنهم يرددون نفس الشعار : «من غشنا فليس منا»!

كيف علموا بمراده؟ وبإجماع! يبدو لي أنني لست من هنا! لم أكن سمعت بها من قبل، ولم أعيها حق وعيها! وما المضحك في الأمر؟! المراقب يضحك، والتلاميذ يضحكون، ولو كان هناك «مرور توجيه» مثلا وسمع سيضحك هو الآخر!

لك أن تتخيل صوت طفولي جماعي متنغم وممتد، يقول في نفس واحد: من غشنا فليس منا، ثم ما إن يذهب «الموجه» أو «المدرس»، وإذ بمن كان صوتهم يعلو بأن من غشنا فليس منا هم أول الغشاشين! بل قد يكون هذا بتوجيه من المدرس! وكان هذا هو حال كل امتحان.

على أيّة حال… مشهد عجيب يدعو للضحك حقا! وإذا تخيلته صوتا وصورة، أو كان لك موقف مشابه أضمن لك الابتسامة على الأقل… فشر البلية ما يضحك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكانت هذه البداية « الشعار » الذي يرفع من أصغر مثال -مثل هذا- إلى أكبره، فترى انفصالًا بين الكلمة وقائلها والفعل المترتب عليها، وكأنهم اتفقوا ألا يتفقوا!

ولكن ما السبب في ذلك؟ فالكلمة كلمة حق ولكن كيف تحولت لباطل! ما السبب في عدم تفعيل الكلمة الحق؟! وهل يختلف الفرد عن المجتمع من حيث الأسباب، والآثار؟

المشكلة في عدم تفعيل الشعار

غالبا عدم تفعيل الحق يرجع إلى ضعف صاحبه، وهذا نواجهه كل يوم، فطبيعة النفس البشرية الضعف، فالقوة العاقلة دائما في صراع مع القوتين الشهوية والغضبية، تريد أن تسوقهما بلا إفراط ولا تفريط، تنجح مرة وتخفق أخرى.

ولكن هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى الجماعي، ولا مناص منه! فالإنسان مدني بطبعه يحتاج إلى التكيف مع غيره ليألفهم ويألفونه بما يحقق تكامله وسعادته المنشودة.

ولكن تحديه وصراعه يتضاعف هنا فهو ليس داخليا فقط ، لكنه خارجيا أيضا مع العقل الجمعي، ويزداد الأمر سوءًا إذا كان الجمع هذا من الذين يسولون الشر، ويلبسون الحق بالباطل، فالإنسان إما صارعا مبادئه أو مصارعا عنها في هذه الحالة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إذًا رفع الشعارات، وفعل النقيض، وفي جماعة يربي في النفوس ما لا يحمد عقباه.

وهذا مثال صغير، ونكتة صغيرة توالت بعدها الحوادث، وكلما ازددت عمرا، ورأيت أكثر، استغربت أكثر وأكثر من رفع الشعارات التي ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب.

التناقض كارثة

فلك أن تفتح التلفاز، أو تنزل وتتجول في الشوارع، أو تحتك ببعض الناس لترى كم التناقضات بين ما يقولون وما يفعلون.

في الغالب يكون ما يقولونه مزينًا بزينة الدين، أو الحكمة، أو العلم، أو أيا كانت المدرسة المعرفية التي ينتمون إليها، حتى تعطي مفعول المخدر المرجو لهم بتسكين ضمائرهم،  «السكون للكلمة، والرفع للحق!» وأعني بذلك: أنهم سكنوا وركنوا واطمئنوا للكلمة فأشبعت أرواحهم وهمًا، فضحكوا لانتصار لم يتحقق بعد! ورفع الحق أي عدم العمل به، والاكتفاء بالكلمات. إنها المقدمات والنتائج.

وقد يكون مفعول المخدر هذا منوط بالغير؛ بتغييبه، والنيل منه على حين غفلة، وهذا الدور يتقنه جدا بعض (الساسة، والإعلاميين، والمسوقين،…) فيتفننوا في الشعارات التي قد تكون ملهية بألوانها الزاهية، بينما هم يدسون السم في العسل، فيتناوله الجمهور ويهضمه ويصفق بالشكر، والامتنان!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والانحدار لا يسبب إلا مزيدا منه، فمع زيادة الجهل بحقيقة الأمور، وتشوية ومسخ المدارس المعرفية، وفقدانها للمصداقية بسبب استغلالها أسوء استغلال من قبل من يعرفون مسطحات أمورها وأوامرها دون تأسيس عقلي يمنع من الذلل، كانت الكارثة بفقدان المعيار الثابت، أيا كان نوعه، والسيولة والنسبية في كل شيء، فلا حق ولا مرجع، فزاد هذا الأمر الشعارات شناعة؛ فهي ليست مؤسسة على مبدأ يعوزه التفعيل، وبراقة ولامعة فحسب.

لكنها فقدت بريقها ولمعانها المؤسس على مبدأ معرفي أو بديهية عقلية ما، واصطنعت بريقا ماديًا –غالبا- مزيفًا كزيفها، فانصاع إليها كما انصاع إلى سابقها جمهرة من الناس عيونهم من التزيين أصيبت بمثل عمى الألوان الذي لا يميز بين لون وآخر، وصواب أو خطأ، وحقيقة أم زيف؟. فكان تجلي السفسطة في عصر ما بعد الحداثة حيث النسبية المطلقة في أبهى عصورها وأوقاتها.

فزادت الشعارات الواهية وما كان يقال أو يفعل على استحياء، وخزي.. أصبح مظهرًا حضاريًا خلابًا، يتبناه حتى من لا يدينون بثقافة الفاعل بغير علم ولا هدى.

لكن هل جميع الشعارات سيئة؟

الحقيقة أن الشعار هو تعبير عن موقف وحالة، مبني على شيء ما -كما سبق- قد يكون حقا أو باطلا، والأسوء على الإطلاق هو الممسوخ (كلمة الحق التي يراد بها الباطل)، فسُمُّها يتفشى في الجسد بغير علم، وعلى غفلة من صاحبه، وتحتاج إلى مجهود مضاعف للكشف عنها، وعلاجها طويل المدى.

فالشعارات ليست دائما سيئة بل على العكس، قد يكون الشعار وقودًا ودافعًا إذا كان موافقا للواقع (أي قولا وعملا). فكل منا عنده مبدأ، رافع لشعار ما، يتبناه ويدافع عنه، فانظر إلى ما أنت متخذه وما أبليت به.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

أين أجد إجابات للأسئلة المصيرية ؟ وكيف يتم التوافق ؟

عندما نتآكل من الداخل.. ماذا يفعل بنا الاكتئاب ؟

الغربة وآلامها – ماذا يدور في ذهن المغتربين ؟ وما هي معاناتهم في السفر ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

ود أمين

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة