أسرة وطفل - مقالاتمقالات

المعلم البداية – الجزء الثاني

ترتبط أهمية المعلم كما أشرنا في المقال السابق بالمستقبل وتربية رجال وقادة الغد، لكن هذا الأمر قد يبدو للبعض أن المعلم هو المسؤول الوحيد في تقرير مصير أبنائنا وتحضيرهم، لكن ما لا يظهر للكثير أن للمعلم منافسين أشداء يحملون منهجية وأدوات تختلف نتائجها ومؤثراتها على الأجيال بخلاف ما نريد أن يصبح عليه جيل المستقبل.

فلو أردنا جيل يتسم بالجدية وتحمل المسؤولية والصبر والبصيرة والتسلح بالعلم والفضيلة …هل يقابل هذا التخطيط لمستقبل أولادنا خطط مغايرة تسعى لظهور أجيال على عكس ما نتمنى؟!

الساحة ليست فارغة

إن ساحة عمل المعلم ليست هي الساحة الفارغة من المنافسين بل على العكس تماما؛ هي من أكثر ساحات العمل التي يكثر فيها الخصوم ، فلو دققنا النظر في أسباب التغيرات في سلوك وأفكار الناس لأدركنا من هم الخصوم ومدى التأثير الذي تركوه.

فحال الأسرة الذي كان يتسم بدرجة كبيرة من قيم احترام الكبير والعطف على الصغير والتجمع حول مائدة واحدة وبساطة العيش تحول لغياب دور الأب نتيجة كثرة انشغالاته بمشكلات الحياة؛ كذلك دور الأم بعد التأثير السلبي على دورها كأم ومربية داخل المنزل، وثقافة “التيك أواي” والفواصل الكبيرة التي أصبحت موجودة بين الأبناء والآباء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وما حال الجار وجاره بأفضل من حال الأسرة الذي تبدل وتغير ، أضف لذلك المتغيرات التي طرأت على الزواج من تكاليف وقواعد تخالف حقيقة الحياة الزوجية، تلك الحياة التي أساسها المودة والرحمة تحولت لصفقات يُبرز كل طرف قدرته على كسب أكبر قدر من المميزات على حساب الطرف الآخر.

حتى علاقة المعلم وطلابه؛ فقد شهدت كم من المتغيرات السلبية التي جعلت الطالب يتطاول على الأستاذ، والأستاذ عديم الضمير والرسالة الذي يتاجر بالطلاب ، تلك العلاقة التي يعول عليها لبناء المستقبل هي نفسها أصابها من الخلل ما جعلها في ذاتها عبء بدلا من أن تكون المعين والمخطط لمستقبل أفضل.

كل تلك المتغيرات وغيرها الكثير مما أصاب المجتمعات الإنسانية يوضح خطورة المنافسة لقطاع التربية والتعليم، منافسة يقودها نظام عالمي لا يرى في الإنسان غير جانبه المادي وكيف يستفيد منه في عملية غير منتهية من الإنتاج والاستهلاك، تلك العملية التي تتطلب تربية وتعليم من نوع خاص.

المواجهة هي الحل

فلا يستقيم مع هذا النظام الوحشي تكوين الأسرة المترابطة المدبرة بل يريد أسرة مفككة مستهلكة يهتم كل فرد فيها بنفسه فقط، يسعى لمزيد من المتعة والاستهلاك، وكي يحقق ذلك الهدف البغيض بث سمومه الفكرية بشتى الطرق الإعلامية والدعائية وأحيانا بالقوة الناعمة والخشنة، في تعزيز قيم الفردية والأنانية وإبراز الأنا والطموح غير الواقعي، كل ذلك وأكثر من خلال عملية مدروسة من الغزو الفكري مستعينا بكل أدوات التأثير المسموعة والمقروءة والمرئية،

فلا ننكر التأثير الهائل للمسلسلات والأفلام على تغيير نمط المعيشة والأفكار ، كما لا يمكن إنكار دور القدوة السيئة التي أبرزها هذا النظام المادي للمجتمعات من مفكرين وفنانين مؤيدين ومتأثرين بأفكاره، ساعين لتربية الأجيال القادم على ثقافة هذا الفكر بما يخدم مصالحه المادية التجارية والاستعمارية؛

اضغط على الاعلان لو أعجبك

جيل يحمل نفس رؤية هذا الفكر وتوجهاته حيال كل القضايا المحلية والعالمية؛ جيل يضرب بعرض الحائط الثوابت والقيم الأخلاقية ولا يعرف ولا يعترف بأي هوية يرجع وينتمي إليها غير تلك الهوية السائلة التي زرعها فيه هذا الفكر المتوحش المادي.

فما نراه اليوم من تغيرات سلبية على مختلف جوانب حياتنا الأسرية والعلمية والوظيفية والإعلامية هي نتاج تلك المنافسة القاسية التي تواجه المعلم في ساحته التعليمية والتربوية ، وبكل أسف انتصر الخصم في أغلب تلك المواجهات.

بالرغم من ذلك لا سبيل إلا المواجهة الواعية المدركة لأهداف وأساليب الخصم، كذلك معرفة مواطن القوة والضعف عنده وكيفية العلم بها، ولا تستقيم تلك المواجهة بدون المعلم الحقيقي العالم بدوره والمدرك لحقيقة المنافسة، ذلك المعلم وصفاته وكيفية استعادة دوره المحوري هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

بين الواقع والحلم في صناعة القرار التعليمي

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هويتنا التعليمية العربية والمشاهد العبثية

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة