أسرة وطفل - مقالاتمقالات

المعلم البداية – الجزء الأول

يمكن في بداية الحديث عن المعلم وأهمية دوره أن ننظر نظرة للمستقبل القريب، فبعد بضع سنوات ليست بالكثيرة سيمسك بزمام أمور المجتمع جيل جديد هو الآن في عمر الطفولة، هذا الجيل ببساطة شديدة سيكون نتاج عملية التربية والتعليم التي سيحصل عليها مِن المعلمين، كل في مجاله، فنحن أمام مستقبل المجتمع نضع أيدينا على محور ومحرك هذا الواقع الذي سيكون عليه نمط المجتمع.

أهم استثمار

إن من يربي هذا الجيل؛ الأسرة في المقام الأول ثم المعلم في فترات مختلفة من عمر تلك العملية، هذا الدور المؤثر في بناء الأفراد فكريا وثقافيا وأخلاقيا لهو أمر في غاية الأهمية؛ فهو من يحدد هوية طفل اليوم الذي سيكون رجل المستقبل، وبالرغم من الدور المحوري للأب والأم والبيئة المحيطة بالطفل، نجد من الصعوبة أن يكون لهما نفس الدور والتأثير الذي يتمتع به المعلم .

ملايين البشر يأتون بأبنائهم بكامل حريتهم، ويضعون أبناءهم تحت تصرف المعلم، علما منهم بالدور الهام لهذا العمل والآثار المترتبة عليه في بناء الإنسان.

بالحديث عن المعلم فنحن نتحدث عن أخلاق الناس وعن القدوة التي تؤثر فيهم، وبالحديث عن المعلم نتحدث أيضا عن نمط العلاقات بين الأفراد فيما بينهم، نتحدث عن مدى التقدم التكنولوجي والبحثي والتقني، نتحدث عن مفاهيم العزة والهوية والشرف، نتحدث عن التنمية والبناء والاكتفاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن المعلم في ذاته يُعد أهم استثمار وأهم مشروع قومي وكل ما يرصد من ميزانيات للتعليم والمعلم، هو في الحقيقة ليس استهلاكًا بل هو استثمار مربح ، ليس استثمارًا يخضع كباقي مجالات الاستثمار لقوانين السوق، بل هو البناء الأول والمحرك الأساسي لكل عمليات البناء والتنمية فيما بعد؛ فهو البوصلة التي ترسم معالم التقدم والرقي للأفراد.

فالصانع الجيد والمدير الجيد والطبيب الجيد وغيرهم… هم نتاج هذا المعلم؛ فكلما كان الأصل قويا كانت الفروع قوية، فكل استثمار في هذا المجال يعد بناءًا للمستقبل وضمانًا للرقي وتحصينًا للمجتمع فكريا وثقافيا وأخلاقيا؛ فكل أرباح الغد تعتمد على بناء اليوم في تلك المنظومة التربوية التي يقودها المعلم.

التأسيس السليم للمعلم لا يقل أهمية عن التعليم نفسه

ولكي يقوم المعلم بهذا الدور الضخم يجب أن يمارس المفكرون والباحثون في مجال التربية الجهد المطلوب في تحديد أولويات كل مرحلة، على سبيل المثال المناهج الملائمة لكل مرحلة عمرية، وأنسب طرق التدريس، وتوفير المناخ العام لتذليل العقبات أمام المدرس، من تعاون باقي القطاعات والربط فيما بينهم، كذلك تحديد الخلل فيما يطرح من وسائل تدريس ومناهج غير سليمة لتجنب الضرر منها.

إن دور المفكرين وتعاونهم في تأسيس القواعد السليمة التي تقوم عليها عملية التربية والتعليم لهو أمر بالغ الأهمية أيضا؛ فأغلب بلدان العالم لا تخلو من مؤسسات للتربية والتعليم، لكن فقط من يتقدم هو صاحب البناء السليم الموافق لطبيعة المجتمع الواقعية القائمة على تعليم النشء الحقائق، وتبصيرهم بالعلوم الحقيقية والمفيدة سواء في الجانب التقني والفني وكذلك في الجانب القيمي والسلوكي.

فها نحن اليوم نجد المجتمعات الغربية على سبيل المثال متقدمة تكنولوجيا في كثير من علوم الفضاء والذرة والأحياء وعلوم النباتات والبحار، ورغم ذلك نجد نفس المجتمعات تعاني من التفرقة العنصرية وفساد الأخلاق -سواء على المستوى الأسري أو بين الأفراد- والكثير من الأفكار الأخلاقية الشاذة التي تؤشر بتفاقم مشكلات تلك المجتمعات، فلم يستفيدوا من كل تلك الإنجازات التكنولوجية في بناء مستقبل أفضل لهم، بل اهتموا بالظاهر وتركوا الإنسان نفسه!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولم يكتفوا بذلك؛ بل أغاروا على المجتمعات الضعيفة واحتلوها وسلبوا ثرواتها، وساهموا في زيادة معدلات الفقر والمرض فيها، وحال العالم اليوم يبرز بمزيد من الوضوح عندما ينحرف المعلم وتنحرف العملية التربوية عن هدفها الواقعي في بناء الإنسان ماديا ومعنويا، وبدلا من حل المشكلات وزيادة التعاون والرحمة فيما بين البشر، حلت الحروب والدمار والفساد مكان كل ما هو جميل في أغلب المجتمعات البشرية.

لذلك فإن التأسيس السليم سواء للمعلم أو العملية التربوية والتعليمية لا يقل أهمية عن التعليم نفسه؛ فهو يجنبنا النتائج الفاشلة من البداية ويضعنا وباقي العملية التعليمية كلها على المسار السليم.

اقرأ أيضاً:

المعلمون والتنمية المهنية في بلادنا العربية

لماذا التعليم؟

نحو عناية أشمل بصناعة الإنسان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة