مقالات

العلاقة بين القط والإنسان أغرب ما يكون

عندك قطة في البيت أو معندكش، هل تتخيل أن “القطط” هي السبب غير المباشر في أنك كبني آدم بشري، عايش في بلاد متحضرة دلوقتي؟

بص، العلاقة بين القط والإنسان أغرب ما يكون..

من المعتقد عند الكثير من علماء البيولوجي في العالم أن القطط المنزلية المستأنسة اللي بتأكلها جبنة نستون في البيت دي ورايح جي ترازي فيها، إنها هي اللي استأنست نفسها للبشر، أو بمعنى تاني هي اللي روضت البشر مش العكس، يعني هي اللي تخلت عن طبيعتها الوحشية قدامك كمربي ليها عشان لقت السكن والغذاء فيك كبشري. تعالوا نتخيل قصة كدة شوية..

في عصور ما قبل التاريخ

في عصور ما قبل التاريخ، لما تغيرت درجة حرارة الأرض واضطر جدك الأول إنه ينزل على الدلتا بحثا عن فرص أحلى للحياة، اتعرف على مهنة اقتصادية جديدة هتغير شكل الحياة على كوكب الأرض لآلاف الأعوام بعد كده، المهنة دي اسمها الزراعة، بعد ما كان بيجمع الثمار بس، اتعلم إزاي يحط البذرة ويزرعها ويرعاها، من ١٣ ألف سنة تقريبا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وكانت أولى المحاصيل اللي اتعلم زراعتها هي الحبوب، بعد ما استقر ولقى مجرى مائي عذب جميل وأرض صالحة للسكن، بدأ يزرع، وبقا فيه مجتمعات وأسر وأراضي بتتزرع وفائض من الحبوب سنويا، واتعلم مع الزراعة حاجة اسمها التخزين، يعني يجمع الحبوب اللي زرعها في الأراضي اللي زرع فيها، ويعمل مخزن، ويلم اللي زرعه في المخازن الجميلة دي،

لكن مع الوقت اكتشف إن المحاصيل المخزنة دي بتتاكل وتبوظ وفيه حيوان صغير كده دخل على المستعمرات البشرية عشان ياكل اللي في المخازن دي وبقى يتكاثر ويكتر، اللي هو “الفار”.

في الفترة دي الإنسان ده كان عارف حقيقة واحدة بس، إن القطط دي حيوان شرس، بيصطاد بالليل زي التعالب كدة، عينيه مرعبة وبتنور في الضلمة، بيسكن الصحراء ومن مصلحتك إنك متقربش منه عشان هتزعل، ملك الصحرا “القط شوس” أو القط الإفريقي، اللي عايش بعيد عن الأراضي الزراعية هناك في الصحرا ملناش دعوة بيه، تخيل مثلا لو حد قالك العقارب أو الذئب حيوان لطيف دلوقتي، نفس إحساس جدك زمان.

القط ده اللي هو عضو مهم من أعضاء نوع اسمه “السنوريات” اللي فيه أسود ونمور وبتاع، كان عايش ملك صياد، بيتجنب البشر ومفيش أي وفاق معاه، زيه زي الشيتا كدة بالضبط، ينزل بالليل يصطاد وياكل ويتجوز ويخلف والدنيا ماشية، آلاف السنين عاشوا جمب البشر والاتنين متجنبين بعض، لحد ما الإنسان ده اتعلم الزراعة، والرزاعة شدت الفئران للمخازن، والإنسان ده حس إنه لايص، مفيش حل عشان يتخلص من القوارض دي وكل حاجة بيزرعها بتبوظ.

جرب كل حاجة، مبيتهشوش، نغير المخازن يجولنا، نجري وراهم بالعصيان بيزيدوا، وكاد الإنسان إنه يفقد الأمل، لحد ما مناخير أول قط لقطت ريحة أول فار في مخزن ما، وقرر إنه يعمل مغامرة وينط جوة المخزن عشان يقفش الفار ده ويتغذى عليه..

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أول لقاء

تخيل معايا “مجازا” كده أول لقاء، في ظلام الليل، مصري من المصريين ما قبل التاريخ، سمع دوشة جوة مخزن الحبوب بتاعه، فقام مولع عود خشب عشان يشوف إيه اللي بيحصل وهو من جواه خايف، بيمشي بالراحة ناحية المخزن بتاعه ومش عارف هو متوقع يشوف إيه، يمكن الفيران كترت؟ يمكن فيه حرامي جي يسرق حبوبه؟ ميعرفش.

دخل بخطوات بطيئة من باب المخزن، ووجه ضوء النار ناحية الصوت عشان يقدر يشوف فيه إيه وهو بيتصبب عرقا، عشان يلمح حيوان متوسط الحجم نسبيا شعره نافش وودانه مرفوعة وعضلات جسمه باينة، مديله ظهره وبياكل حاجة على الأرض وفيه نقط دم صغيرة كده، بيقرب النار شوية منه يقوم الحيوان ده ملتفت للمصري وعينه منورة، فالإنسان ده يتخض للحظة.

يتفاجأ إن الحيوان ده هو القط المتوحش اللي ساكن في الصحاري بره، طب إيه اللي جابه هنا؟ مبيتحركش من قدام القط عشان ميستفزوش ويهجم عليه هو، ومفيش في دماغه أي تصرف قادر إنه يفكر يعمله، لكن بيلاحظ إن القط ده مصطاد فار من جوة المخزن، وملمسش الحبوب بتاعته، القط بيبص للإنسان وهو ثابت، والإنسان بيبص للقط وهو مش فاهم ليه مهجمش عليه هو كمان، لحد ما بتحصل جلبة كده ولا مراته تصحى فالقط يقرر إنه يهرب بره المخزن، ويختفي في الظلمة .

أيام، ويلاحظ الإنسان ده إن القط بياكل الفئران اللي مبوظة الحبوب بتاعته، وإن الحبوب بقت أحسن والفئران خفّت من مخزنه، فبيقرر الإنسان إنه يسيب باب المخزن مفتوح للقط عشان يسهل عليه اصطياد الفئران دي، ويقرر إنه يراقب من بعيد، تخيل معايا أيام بتعدي، وجدك بيقرر إنه يحاول يقرّب من الحيوان ده، فبكل خوف بيقدر إنه يصطاد فار،

وييجي بالليل في وقت اصطياد القط المعروف، يقرب من القط بالراحة، ويزقله فار عشان ياكله، فالقط يتسمر في مكانه لحظة، وبعدين يشمشم في الهواء كده بالراحة ويقرب بالراحة، لحد ما يجري يخطف الفار ويستخبى بعيد، فيبتسم الإنسان ويسيب المخزن ويمشي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مرة ورا مرة، الخبر ينتشر، والمصريين يساعدوا القطط في إنهم يدخلوا المخازن دي عشان ياكلوا الفئران اللي بدورها بدأت تخاف من ريحة القطط وتختفي، والحبوب بقت تفضل على وضعها ميحصلهاش حاجة، وبقت علاقة منفعة متبادلة ما بين الزراعيين المصريين والحيوان الشرس اللي اسمه القط، لكن مكنش فيه لسة علاقة ألفة بين الاتنين.

حركة مغامرة

لحد ما يقرر القط الشرس ده أنه يسكن المخزن، بعد ما يتطمن لصحابه وأمانه جوة، ويكون عيلة بسيطة كده يحاوط عليها جوة أو حوالين مخازن الحبوب، ويستمر الإنسان في تقديم الأكل أو التسهيلات للقطط لاصطياد الفئران دي عشان ينقذوا الحبوب، لحد ما الإنسان ده في يوم من الأيام يقرر إنه يقوم بحركة مغامرة عشان يتعرف على الحيوان ده أكتر، واحد منهم بيقرر إنه يقرّب من القط ده أكتر من كل مرة، والقط مبيتحركش وبيراقب الإنسان اللي بيقرب منه ده.

بيمد الإنسان ده إيده وفي باله إن القط ده هيهبش إيده يقطعها له، بيمدها وهي بتترعش، ناحية راس القط اللي هو كمان بدوره ساكت مبيعملش حاجة، لحد ما الإنسان ده بيحط إيده على راس القط ده ويمسح عليها، عشان يتفاجأ إن القط بيغمض عينه وبيصدر صوت أشبه بالخرخرة، ثم يرفع نفسه عشان يتمسّح في إيد الإنسان،

في حركة بتسبب دهشة للإنسان نفسه إن الحيوان الضاري ده متقبل صداقة الإنسان اللي كان على عداء معاه هو وعيلته من السنوريات كلها على مدار عمرهم جمب بعض، وبتنشأ أول صداقة بين إنسان وقط في التاريخ، بمثابة هدنة سلام بين الطرفين قايمة على المنفعة المتبادلة.

بيعدي الوقت، وبيتعلم الإنسان الحياة جمب القطط، بيراقبها وهي بتنضف نفسها، وهي بتنضف عيالها، بيتعلم هيا بتاكل إيه، بتصطاد إزاي، بيسمحلها تقعد في بيته، تصطاد معاه طيور وأسماك، وبيتخلى القط عن وحشيته قدام البشر لأول مرة في التاريخ،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتتحول العلاقة بين الإنسان والقط لعلاقة صداقة متبادلة تحول القط فيها من حيوان شرس لحيوان بيألف البشر ويسكن معاهم، إلا إنه احتفظ لنفسه بموروثاته البرية في الصيد والحركة وحاسة الشم، يعني استأنس نفسه نص استئناس بس، الحبة اللي يقدر يتعايش فيها مع البشر، لكنه احتفظ بكل أسلحته ومخالبه وغريزته زي ما هي مغيرهاش.

دور القطط في تغيير شكل الحياة البشرية

المصريين لما القط أنقذ اقتصادهم من الفشل، احتفوا بيه، عاملوه معاملة الملوك، بقى الأداة المجانية لمقاومة القوارض في مخازن ومحاصيل حبوبهم، وكترت القطط في الأراضي وعند الناس واحدة واحدة لحد ما بقى وجودهم أساسي في كل حتة في مصر وبلاد النهرين والهلال الخصيب،

الاحتفاء اللي تحول مع الوقت لتقديس تام للقطط وتحولهم لآلهة لها قدسيتها في المجتمع المصري “باستيت”، وقوانين بتحرم أذيتها بتوصل عقوبتها للقتل، وتكريم في الحياة الأخرى في مراسم تحنيط ووداع زيهم زي البشر.

القطة اللي عايشة معاك في البيت دي حيوان ضاري، تخلى عن نص ضراوته وتوارث ده جيل ورا جيل، لسة صياد زي ما هو، لسة لو اتولد في الشارع هيعرف يصطاد وياكل ويدافع عن نفسه، لسة ضوافره قاطعة، لسة بيطارد القوارض المتحركة قدام عينيه زي ما هو، ميغركش إنه بيتدلع عليك ويهزر وينونو وبتاع،

القط هو النوع الوحيد من السنوريات اللي سمح للبشر إنهم يستأنسوه بمزاجه، عشان مصلحته لقاها معاك، قاتل محترف يعني قرر إنه يتوب ويعيش في سلام، طالما موفر له دلعه وأكله ونومته وبيئة خصبة للزواج والإنجاب.

لكن متنساش، إن بعيدا عن إن القطط كانت عامل أساسي في تغيير شكل الحياة البشرية وعامل أساسي في إنقاذ اقتصاد الإنسان المتحضر اللي غير حياة البشر بعد كده للشكل اللي إحنا عايشين فيه دلوقتي،

فافتكر إن جد القط الكبير ده، عاش في ظروف صحراوية وبيئية قاسية واتعلم الحياة البرية والبقاء، صياد مفترس آكل للحوم حرفيا، وتحول وبقى حيوان أليف بمزاجه الشخصي، بكل بساطة.

فوإنت معدي من جمبه افتكر إنه لولاه كانت الزراعة فشلت أو تأخرت على الأقل، وابقا قوله “منور يا باشا”.

اقرأ أيضاً:

النمل والازدحام المروري

حشرة القراد

البيوشار

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى

مقالات ذات صلة