مقالات

النمل والازدحام المروري

“جوليان هكسلي” أحد المنظرين للدارونية الحديثة وأحد المتأثرين بتشارلز داروين يقول “الإنسان يتميز عن الحيوان بالقدرة على التفكير والتحليل والتمييز والخيال” هذا الكلام لهكسلي أثار انتباهي خاصة وهو يخرج من أحد المنظرين للدارونية الذاهبة للأصل الحيواني للإنسان، وخرج كلامه هذا كمفاجئة للوسط العلمي وقتها على اعتبار أنه كلام به يميز الإنسان عن باقي المخلوقات، ولكن بمقارنة النمل بالإنسان يتبين لك أن هذا المخلوق هو الذي يمتاز عن الإنسان في النظام وتجنّب الفوضى قدر الإمكان.

أسراب النمل

نحن البشر نرى بشكل يومى أسراب النمل وهى تمر أمامنا على جدران حوائط المنازل أو على جانبي الطريق يمرون في انتظام رائع ودقة متناهية؛ لأن له هدف مشترك؛ الكل يسعون لتحقيقه وكأن كل نملة لها وظيفة معينة لتحقيق هذا الهدف وهو جمع طعام الشتاء لتخزينه للانتفاع به، وعلى العكس من هذا تماما نرى الازدحام المروري للسيارات على الطرق التي يستقلها البشريون والذين تغلب عليهم روح الأنانية.

كل واحد فيهم له هدف ووجهة تختلف عن الآخر، وهو مستعد فى سبيل تحقيق ذلك أن يتخطى الآخرون ويتعداهم ويتسابق معهم مما يخرج مشهد طرق السيارات بالفوضى وعدم النظام، والذي يتسبب فى حوادث الطرق التى تستنزف من الأرواح والخسائر المادية الكثير على مستوى العالم الأمر الذى لا نجده في طوابير النمل الغالب عليها روح التعاون والهدف الواحد .

مشهد النمل الذي أراه كثيرا لفت نظري بمقارنته بأحوال البشر الذين يسعون يوميا على رزقهم ولكن في شكل فوضى مدمرة لا تليق بكائن عاقل. أثار ذلك في نفسي سؤال ما الذي ميز النمل المنظم غير العاقل عن الإنسان غير المنظم العاقل؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما يميز النمل غير العاقل

الذي ميز النمل الهدف الواحد المشترك الذي تُضحي كل نملة من أجل مجموع النمل بعكس الإنسان الذي سيطر عليه الأنا؛ فأصبح كل إنسان يضحي بنفسه من أجل مصلحة ذاته وإشباع رغباته حتى ولو كان ذلك على حساب المجموع البشري وهذا ما يخلق الفوضى والتطاحن بين بنى الإنسان.

ولقد علمنا من “جوليان هكسلي” ما يميز بني الإنسان عن بقية المخلوقات، أما ما يميز النمل فهو النظام. فهم يتحركون مع بعض ليس كسرعة السيارات في الطرق والتي تتحرك عن بعد لتجنب الصدام ولكن بسرعة تتناسب مع صغر حجمهم ومع ذلك تجدهم يمرون في سلاسة وانتظام واضح ودون صدام .

النمل يملك خاصية الإنذار المبكر المتوارث جينيا والذي عن طريقه يحذرون مكامن الخطر فيتجنبونها، ولعل ذلك الإنذار المبكر الذي أشارت له الآية الكريمة في القرآن الكريم عندما حذرت نملة بقية النمل”يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” .

يتواصل النمل مع بعضهم البعض عن طريق الرائحة؛ فمن الملاحظ توجه نملة واحدة للطعام ذي الرائحة فيما يشبه مهمة الاستطلاع وبعد وقت قصير تفاجئ بجيوش من النمل الجرارة والتي وصل لها النبأ اليقين.

ومما سبق ليس الغرض منه تفضيل الحيوان على بني الإنسان؛ بل على العكس وإنما إثبات ما للإنسان من مميزات، ولكن قد تطمسها غيرها من الصفات السيئة التي تحرم الإنسان من مميزاته التي أثبتها له العقل وتحدث عنها “جوليان هكسلي” وهي ذاتها المميزات التي إن أساء استغلالها تخلى طواعية عن إنسانيته وربما أصبح حالة إلى الحيوانية أقرب وربما تفوقت عليه حينها بعض الحيوانات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

هل الوجود نعمة أم نقمة؟

الحياة الإنسانية والإنسان

القوى الكامنة في الإنسان

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة