الزراعة والفقر .. الجزء الأول

تعد الزراعة من الموارد بالغة الأهمية للنمو الاقتصادي: إذ تشكل 4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وفي بعض أقل البلدان نموًا، يمكن أن تشكل أكثر من 25% من إجمالي الناتج المحلي، لكن أنشطة النمو والحد من الفقر والأمن الغذائي، التي تقودها الزراعة، باتت معرضة للخطر، فالأمر ليس قاصرًا على التغلب على عقبات طبيعية أو لوجسيتة فقط، بل يتعدى الأمر كثيرًا من النقاط، نحاول أن نذكر بعضًا منها.

40% من القوة الزراعية العاملة تعاني الفقر والجوع

في تقرير دولي مشترك بين منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، ومنظمة العمل الدولية، والاتحاد الدولي للأغذية والزراعة، والجمعيات العمالية، أن العمال الزراعيين المأجورين يشكلون أكثر من 40% من مجمل القوى العاملة في القطاع الزراعي الذي يضم 1.1 مليار شخص.

استنادًا إلى التقرير، فإن قطاع الزراعة لا يمكن أن يكون قطاعًا مستدامًا بينما يعاني أكثر من 40% من القوى العاملة فيه ظروف عمل غير مستقرة وبائسة.

إن العمال الزراعيين الذين لا يملكون ولا يستأجرون أرضًا يعملون فيها، ولا تتوفر لديهم حتى الأدوات والمعدات كي يستخدموها، يتقاضون أجورًا متدنية ومكاسبهم تكون دون مستوى الأجور التي يكسبها العمال الصناعيون، ويعيشون تحت خط الفقر، كما يشير التقرير إلى أن أكثر من 170 مليون طفل يعملون في قطاع الزراعة لقاء أجر بسيط لا يتعدى دولار واحد في اليوم، وينتقد التقرير الحكومات ووكالات التنمية ومؤسسات البحث والمصارف الزراعية لتجاهلها أوضاع عمال المزارع، التي غالبًا ما تكون مأساوية رغم أهمية أولئك العمال في تحقيق الزراعة المستدامة والتنمية الريفية والأمن الغذائي العالمي، فهل حقًا هذا ما عليه العالم نتيجة أسباب خارجة عن إرادة الإنسان، أم أن هناك عوامل أخرى ساعدت في وجود هكذا أوضاع؟

الزراعة في العالم العربي

على سبيل المثال، تشير بعض التقارير أن الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي تصل إلى 2 مليار دونم، بينما لا يصل المستغل منها زراعيًا إلى 5%، كذلك تتميز القارة الإفريقية بإمكانيات زراعية هائلة من حيث التربة والموارد المائية، تؤهلها لأن تكون مائدة الغذاء العالمي بامتياز، وذلك إذا ما توفرت لها الشروط الضرورية لإقامة مشاريع زراعية عالمية، هدفها تلبية احتياجات سكان الكرة الأرضية من الغذاء، فإفريقيا بتربتها الغنية وأراضيها البكر التي لم تستزرع بعد، ومصادر مياهها المتجددة وأمطارها الغزيرة، وتركيبتها الاجتماعية غير المعقدة التي لم تتجذر فيها الرأسمالية المتوحشة بعد، يمكن أن تقدم الحل لأزمة غذائية عالمية بدأت تلوح معالمها في الأفق، تنذر بجوع يتهدد مئات الملايين من البشر في مختلف قارات العالم حتى القارات المتقدمة صناعيًا.

بحلول عام 2030 يمكن لقطاع الزراعة والصناعات الغذائية في إفريقيا إنشاء سوق بقيمة 1000 مليار دولار، في حال استغلالٍ أقوى لهذه الموارد المائية في الزراعة، وذلك وِفق تقرير صدر حديثًا للبنك الدولي بعنوان: “نمو إفريقيا، إمكانات قطاع الصناعات الغذائية”. وحتى اليوم، لا تستغل من الأراضي الزراعية في إفريقيا وفقًا لـ”العرب” سوى 2% من الموارد المائية المتجددة للقارة، فهذه الموارد المائية الضخمة وما تتيحه من إمكانيات زراعية هائلة تنعكس في التنافس المحتدم حاليًا على استزراع مساحات شاسعة من الأراضي الإفريقية الخصبة، بين الدول الآسيوية ذات الإمكانات السكانية الضخمة وبين دول الخليج العربية الثرية ذات المناخ الصحراوي.

يسرقون رغيفك .. ثم يعطونك منه كِسرة

لا يسعنا الحديث عن كل قارات العالم، إلا أن هناك عاملًا مشتركًا في عدم الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة لتوفير مساحات وإنتاجيات زراعية كبيرة، الذي يمكن أن نرجع تفسيره الواقعي لبعض الدراسات البحثية التي قام بها البعض.

فهذا كتاب صناعة الجوع (خرافة الندرة)– فرانسيس مورلاييه وجوزيف كولينز، يوضح ويفسر، كيف يسرقون قوتك ثم يمنون عليك، كيف يستغلون الفقراء في العالم الثالث لتحقيق رفاهيتهم في الدول المتقدمة، كيف يتاجرون بآلام البسطاء ومآسيهم من أجل هيمنتهم وسلطتهم، كيف تشارك الحكومات المحلية الجاهلة والخائنة في إفقار شعوبها، المنظومة التي تتحكم في هذا العالم لا تقبل بأي إصلاح ولا ينفع معها سوى الهدم.

يتبع…

مقالات ذات صلة:

اليوم العالمي للقضاء على الفقر

ماذا يمنع التنمية لدول العالم الثالث؟

الزراعة في مصر.. المشاكل والمعوقات الزراعية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا