مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الأخلاق ومتغيرات العصر

بعد إمعان النظر والقراءة المتأنية للكثير من التعاليم الإلهية _التي تدعو إلى مكارم الأخلاق والكثير من تعليمات الأنبياء والمصلحين على مدار التاريخ البشري_ وجدت نفسي أمام مشكل عويص، وواقع معاش وحياه تعج بالمتغيرات والتقلبات على كافة المستويات والأصعدة سواء على المستوى الثقافي، المستوى التعليمي، الجانب القيمي الأخلاقي، أو الجانب السياسي.

حيث الفرقة والتشرذم، تقاتل واقتتال وتناحر إنسان العصر حتى صار كأنه ذئب لأخيه الإنسان، يتحين الفرص حتى ينقض على أخيه -إلا ما رحم ربي. نزعات مادية براجماتية متوغلة وانسحاق قيمي وتدني أخلاقي وعبارات وألفاظ نابية.

مفردات غريبة أقرب ما تكون إلى لغة السوق أو أشد وحشة، فقدان للهوية والشخصانية لأغلب المواقف، غربة واغتراب وافتراق. أصبح الإنسان عبارة عن آلة أو ترس في آلة كالثور الذي يجر ساقية يدور ويلف إلى أن يسقط في براثن الغربة عن نفسه وعن وطنه الأصغر ووطنه الأكبر ليس له هم إلا السعي خلف سراب من الوهم وسوء التقدير، أشبه بالباحث عن الماء في الصحراء فلم يجد غير السراب.

كثير من الشباب يملأ المقاهي ويفترش الأرصفة والطرقات ليس لهم هم إلا العبث وإثارة الفوضى بين الناس وشرب المخدرات ومضايقة المارة من البنات، وحتى السيدات اللواتي كبرن وطعن في السن لم يسلمن من هؤلاء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا وصلنا إلى هذه الحال؟

أقولها بمنتهى الأسى والحزن لأننا  ابتعدنا عن القيم الأخلاقية قيم الفطرة التي ميز بها الله  هذا الإنسان بعد أن ميزه بالعقل ليميز الصواب من الخطأ ويحدد الواجب وينتهي عن قبائح الأعمال، تناسينا كل القيم والنصائح التي طالما نادى بها الأنبياء والمصلحون على مدار التاريخ، تناسينا قيم العدل والحق وثوابت المجتمع المنبثقة من تلك التعليمات.

تلك القيم من  يحيد عنها ويتبنى قيما شاذة وغريبة لن يسلم من الخسارة وسينخرط في الشهوات التي يعف العفيف عنها، ولا ألوم أحدا بعينه فجميعنا مخطئون، الأب والأم في البيت أليس لهما الدور الأكبر في الإرشاد والتوجيه؟ أليس عليهما المساءلة والتوجيه إفعل ولا تفعل؟ هذا صواب وهذا خطأ؟ هذا حلال وهذا حرام؟ هذا حسن وهذا قبيح؟

كذلك المدرسة الأولى الابتدائية ثم باق المراحل التعليمية الأخرى، أليس المعلم من الابتدائية إلى الجامعة عليه معول كبير في التوجيه والنصح والإرشاد؟ فالمسألة ليست عملية تعليمية فقط، وإنما إكمال منظومة التربية.

وأنت يا رجل الدين أليس عليك دور وعظي إرشادي شرح مكارم الأخلاق وشرح كتبكم المقدسة؟ الشيخ في مسجده والقس في كنيسته والكاهن في معبده، فروح العبادة الانتقال بها من مرحلة التنظير إلى التطبيق الفعلي والعملي في الواقع المعاش. لماذا؟ لأننا جميعا سنقف هناك وسنسأل عن أعمارنا فيما أفنيناها، لماذا لم تنصحوا الشباب؟

لنكن ربانيين

لما لم نلتزم بكل الدعوات التي بثت إلينا على مدار التاريخ؟ لماذا لا نكون رحماء بيننا يرحم كبيرنا صغيرنا وصغيرنا يوقر كبيرنا ويعطف على شيخنا؟ لماذا لا نكون كرماء مع بعضنا البعض؟ وليس الكرم بالجود بالمال فقط، بل بالمساعدة في كل شيء المعلم لا يبخل بعلمه على من يطلبه وفي كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة والمستويات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لماذا لا يسود الحب بيننا؟ والحب دعوة ربانية لماذا لا ننزع خطاب العنصرية ونطرح التعصب والتحزب جانبا؟ لماذا لا نحيا في سلام والله هو السلام ودعوته هي السلام ودينه السلام؟  لماذا التناحر والتقاتل والتحارب هل الإنسان بما هو كذلك خلق للحرب؟ خلق للكره؟ خلق للبغض والحقد؟ أم خلقه الله لعمارة الكون؟ ونكون خير مستأمنين على الأرض وتحمل المسئولية كاملة، مسئولية هذا التكليف.

خلقنا الله للحرية بمفهومها المنضبط القويم، لماذا لا نكون ربانيين بمعنى الكلمة؟ نتخلق بكل خصال الخير التي دعا لها الله وأمر بها الأنبياء أن ينشروها بين أقوامهم.

لا سبيل لحياة كريمة يحترم فيها الإنسان أخيه الإنسان إلا بالعودة إلى مكارم الأخلاق.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

 الإنسان والسلوكيات الأخلاقية

القيم الأخلاقية الضائعة 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الرابطة السرية

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

مقالات ذات صلة