مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الرابطة السرية – مدى تشكيل القيم والمبادئ الإنسانية لسلوك الفرد

سر التشابه

يجتمع البشر في جوهرهم مهما اختلفت أشكالهم وأماكن معيشتهم ، مهما كانت أذواقهم وآراؤهم ، وسر ذلك التشابه هو أننا جنس إنساني تربطه رابطة سرية وتَحكم علاقاته ، تحكم تلك الرابطة قيم ومبادئ إنسانية سليمة راقية ترتقى بها نفس كل من تخلَّق بها وهذا كله لأن جانبنا المعنوي واحد لا يختلف في احتياجاته ولا يوجد إلا سبيلاً واحدًا لارتقائه وهو مدى تشكيل القيم والمبادئ لسلوك المرء ، هل طابق فعله قيمة العدل أم شذَّ سلوكه عن تلك القيمة أو غيرها من القيم ؟

وهنا نسلط الضوء فى حديثنا على حقيقة الرابطة السرية ومدى تأثير وجودها أو عدمه على المجتمعات وما علاقتها بغياب القيم أو وجودها.

 الصراع بين ترويض النفس وتنازل الإنسان

لا تقام علاقات بين الأفراد إلا بين شقين أحدهما ماديًا كعلاقة موظف برجل مصرفي أو آخر معنوية كحرص معلم على تربية وتعلم طالبه ، تلك هي الطبيعة البشرية التي مهما تعددت واختلفت فلن تخرج عن إطارها المعنوي والمادي وذلك بكل بساطة؛ لأن الإنسان يحوى هذين الجانبين في تكوينه سواء أكان معنويًا ( روحه) أو ماديًا (جسده ) ، من السهل على البشر أن يتوصلوا إلى حُسن العدل أو قبحه أو أي قيمة كلية مثله ولكن يصعب على العقل البشري معرفة طرق تطبيق تلك القيم مع إخوانه من بنى جنسه وذلك لأنه غير محيط بكل احتياجات هؤلاء فقد يظلم بهذا الجهل ،

فلعدل الله وحكمته أرسل النصوص الدينية  على لسان رسله ليحملوا للناس آداة معرفية أخرى تضاف لحقيبة البشر؛ التي كان هو أيضًا مانحهم إياها ( كالحس والتجربة – العقل – الإشراق- العاطفة ) ، فأتى الدين ليضبط السلوك البشري الذى يعي عقلاً القيم السليمة؛ لكن لا يمكنه تطبيقها عمليًا إلا من خلال عون المحيط الأوحد (الله) الذى بعلمه محيط بسنخية تلك النفوس واحتياجاتها وطرق ترويضها وتربيتها ،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فكان على الإنسان جهادًا ذاتيًا يتخبط فيه ويتصارع صراع مصيره بعد أن وعى أن القيم تلك هي مسلك ارتقائه، ولكن غضبه وشهوته ومغريات العالم المادي تجذبه؛ فإما يتنازل عن القيم أو يروض نفسه مستعفًا بسد احتياجات  نفسه غير متنازلًا عن قيمه لعلمه بأهمية رحلته وأهمية تلك السبل للارتقاء .

تآكل الرابطة السرية

توالت السنوات لم يختلف الصراع الداخلى بين الإنسان ونفسه ، والخارجى بين من تنازلوا عن القيم أو سلَّموا أنفسهم للشهوات والغضب والجهل فباتوا ينهبون ويظلمون ولا حاكم لأمرهم من أي قيمة سليمة حتى ظهرت الكثير من الأنظمة التي راحت تضع أحكامًا بشرية تحكم علاقات البشر داخل المجتمع الواحد، ولكنها تفتقر للكثير فهي لا تحيط بكافة احتياجات البشر؛ فواضعها من هؤلاء يعجز عن تلك الإحاطة ،

وبعد أن تربعت تلك الأنظمة في المجتمعات وشكلت سلوكيات وأيدولوجيات الناس تصارعت أيضًا لتنفي  صدق شعاراتها الإنسانية وتظهر حقيقتها المادية، فباتت الرابطة السرية تنقرض وتتآكل وتتبدل بأخرى شكلها نفس الشكل لكن مضمونها غير ذلك تمامًا .

الرأسمالية لا تعرف سوى النفعية

أراد الله أن تحكم القيم علاقات الناس فجعل فيهم روابط جميلة قوية تصلح فيما بينهم وتوطد من قربهم وتنهض بهم وبمصالحهم وترتقى بها أنفسهم فكانت تلك الروابط؛ روابط الحب الصادق بين البشر الذين يحكمهم العدل والخير والكرم والنبل وغيرها من القيم ،

فلما جاءت أنظمة تنادى بالإنسانية ولا تحملها بصدق في أفعالها أفسدت تلك الرابطة وجعلت بدلاً من الحب الصادق المصالح النفعية وبدلاً من القيم الحاكمة مالاً يحكم وشهوة لا تعرف سوى المال فأطلقت تلك الأنظمة العنان لشهوات الإنسان متبنية فكرة التحرر والتنوير والتقدم والتحضر، وفي حقيقة الأمر قانونها قانون الغابة الذى لا يضع للعدل أهمية ويضع لصاحب المال كل القيمة ،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هنا يا سادة نندد بما تفعله وفعلته الرأسمالية بالبشر حيث حولت رابطة علاقتهم الإلهية إلى سراب وجعلت محلها النفعية المادية ولا قيمة لمن يحمل القيم الحاكمة لديها؛ فهي لا تعترف سوى بالمال ، ويظهر هذا في شعاراتها التي تنادى بها ولا يكن لفعلاً أثراً يدل على صدق شعاراتها .

التطبيق هو دورنا جميعا

دورنا هنا أن نعى أهمية القيم السليمة الحاكمة لسلوك البشر التي من خلالها تضمن إعطاء كل ذي حق حقه ومنح الحرية الحقيقية لكل إنسان وهى حريته العقلية التي تضمن له تحرره الكامل ،

دورنا أن نعى أن السعادة التي شكلتها الرأسمالية لا تتمثل في سد حاجات الجانب المعنوي لدينا من علم سليم بالقيم الحاكمة وتطبيقًا لها في واقعنا لتعود الرابطة السرية ( الرابطة الإلٰهية ) تشكل علاقات البشر فيسود الحب الصادق ويعود الود المنقطع وتتوقف مناهج الماديين كالرأسمالية في أن تحكم عقولنا ؛فيصير الناس لا يهمهم حق وإنما يهمهم القوة لسلب حقوق الآخرين والمال لإشباع شهوات النفس،

ولابد للمرء أن يعي أن الحاجات المعنوية ضرورتها كالحاجات المادية في أهميتها وضرورتها فلابد أن يعمل جاهدًا على سد حاجاته المادية والمعنوية معًا حتى لا يظلم ولا يبطش ولا يفسد ويرتقى وصولاً للسعادة الحقيقية هو وبنو جنسه دون حروبٍ وخراب ودماء .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط

مقالات ذات صلة