فن وأدب - مقالاتمقالات

أفلام فقدت بريقها بعد إعادة قراءتها من جيل جديد ومختلف

علي بابا راجل طيب.. لأ علي بابا راجل شرير”، جملة عبقرية جاءت في فيلم “محاكمة علي بابا” على لسان طفل رفض أن يُسلِم بما يُقال له وبما توارثته أجيال سابقة له، علي بابا ليس إلا لصا مثل أخيه قاسم ولكن حكايات قبل النوم والتراث المنقول جعلت منه رجلا طيبا،

ونقلنا وحفظنا هذه الرواية دون تفكير في منطقها أو صحتها، حتى جاء جيل آخر، مختلف، متمرد، رفض أن يُسلم بالأمر، سأل وناقش واكتشف كذب الرواية وعدم منطقيتها، وكشف أيضا سذاجتنا وقلة وعينا.

هذا المشهد ينسحب على كثير من الأفلام والروايات التي عشنا معها سنوات كثيرة نحفظها ونعشقها ونرددها بكل حماس، لكن مع مرور السنوات ووضوح الحقائق فقدت بريقها وتوهجها وثبت أن بعضها كان مجرد دعاية رديئة أخفت خلفها كثيرا من القُبح، تعاقب الأجيال واختلاف التفكير والثقافات فتح بابا كبيرا للجدل والنِقاش والأسئلة، والتي من خلالها ظهرت الأعمال أقل مما كانت تستحق أو نعتقد.

فيلم الله معنا

من هذه الأفلام فيلم الله معنا، إنتاج عام 1955 والذي تدور أحداثه حول أحمد ضابط الجيش الذي تربطه قصة حب بابنة عمه نادية، يذهب أحمد إلى فلسطين ويعود مهزوما وقد فقد ذراعه بسبب الأسلحة الفاسدة، ويبدأ بعدها ظهور تنظيم الضباط الأحرار لتطهير الجيش والبلد من الخونة الذين تسببوا في هزيمة فلسطين، ويطلب أحمد من نادية أن تبحث في مكتب أبيها الباشا عن مستندات تخص صفقة الأسلحة الفاسدة، وبالفعل تجدها!! وتعطيها لأحمد مُضحية بأبيها فداء للوطن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كتب السيناريو والحوار إحسان عبد القدوس بدافع وطني وطبقا للمعلومات التي تم توفيرها له أو تمريرها للجميع حتى نصدقها، هذا الفيلم من أهم أفلام مرحلة الثورة، وتم تقديمه ليؤرخ لها ولإنجازاتها ويكشف النقاب عن سلبيات العهد البائد، ولكن الفيلم بالغ في تضخيم قصة الأسلحة الفاسدة وأنها سبب ضياع فلسطين وقتل أبنائنا في الحرب،

وبعد مرور سنوات واكتشاف الكذبة وأنها ليست حقيقية، أصبح عرض الفيلم سببا في تكرار الحديث عن القصة غير الحقيقية، وكيف كنا نتابع الفيلم ونتعايش معه ونكره الباشا الذي كان سببا في شراء صفقة الأسلحة الفاسدة وسببا في ضياع فلسطين، ثم ظهر أن كل هذا كان وهما كبيرا، وفقد الفيلم قيمته الفنية والتاريخية للأبد.

يُذكر أن الفيلم تعرض للمنع من قِبل الرقابة، بسبب ظهور شخصية الرئيس الراحل محمد نجيب حيث تم تصوير الفيلم قبل عزله، ولم يُسمح له بالعرض إلا بعد أن قام أحمد بدرخان بحذف كل مشاهد زكي طليمات والذي كان يؤدي شخصية الرئيس محمد نجيب، وبعدها عرض الفيلم في 14 نوفمبر 1955 في سينما ريفولي بحضور جمال عبد الناصر وكل رجال الدولة.

أفلام آخرى تم إعادة قراءتها بشكل مختلف:

وهناك أعمال رغم أهميتها في تاريخ السينما المصرية وقيمتها الفنية، لكن تم إعادة قراءتها بشكل مختلف، وتم توجيه نقد كبير لها حيث حملت بعض الأفكار رأى البعض أنها غريبة وغير منطقية، منها:

فيلم شباب امرأة

فيلم شباب امرأة، والذي تدور أحداثه حول شفاعات، امرأة غنية تعيش حياة كلها حرمان بلا رجل ولا حب، يسكن عندها شاب قروي تقع في حبه وتنشأ بينهما علاقة، هي تريد إشباع رغباتها وهو بحاجة لمن يُنفق عليه ويرعاه، علاقة منفعة متبادلة، الاثنين بمنظور أخلاقي سقطا في الرذيلة حتى وإن كانت بالتراضي، ومع ذلك تعامل الفيلم على أنها مُذنبة تستحق القتل، وهو بريء وضحية ويستحق العطف والشفقة، هل الخطيئة امرأة فقط؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عندما أنهى العلاقة من جانبه قائلا “كفاية نجاسة بقى” عرضت عليه الزواج حبا فيه وبالتالي هي تريد العلاقة الشرعية والرسمية ولكن هو من رفض، وانتهى العمل بمقتلها هي، أما هو دخل في علاقة حب مع سلوى بنت أحد أقاربه والجميع سامحه، لكن شفاعات تستحق القتل فقط، ليس من حقها أن تبدأ من جديد كما فعل هو!!

لا أعرف كيف استقبل الجمهور والنقاد العمل وقتها، لكن المجتمع الشرقي دائما ما تحركه منظومة الأخلاق والعادات والدين، وبالتأكيد كانت ولا زالت رافضة للعلاقات غير الشرعية ولا زالت تُحمِّل المرأة الخطأ دون الرجل، لكن بعد مرور الزمن وتغير ثقافة الجمهور الذي رأى أن نهاية الفيلم حملت ظلما كبيرا للبطلة في حين غفرت بلا مبرر للبطل.

فيلم نهر الحب

نفس الأمر في فيلم نهر الحب، نوال التي تزوجت من طاهر باشا رغم فارق السن الكبير، والسبب هو حماية أخيها الذي يعمل لدى الباشا وبدد العهدة وسرقها، رغم أن طاهر لم يكتشف الاختلاس قبل طلب الزواج، وبالتالي لم يرتكب ذنبا عندما طلب منها الزواج، وبعد سنوات من الزواج والإنجاب، وأمام انشغاله بالوزارة والسياسة والحزب أهملها،

وهو ما جعلها تدخل في علاقة مع خالد الضابط الذي التقته صدفة في القطار، وبسبب حرفية عز الدين ذو الفقار وأداء فاتن حمامة حدث تعاطف كبير مع الزوجة الخائنة والعشيق، كما ظهر الزوج المخدوع كأنه رجل قاسٍ بلا قلب لأنه رفض الطلاق وعاقب الزوجة على خيانتها!! وتعامل كثير من الجمهور الآن مع الفيلم على أنه يُبرر الخيانة والعلاقات غير الشرعية.

فيلم صابرين

وأيضا فيلم صابرين، والذي تحاول البطلة الانتقام من خالتها التي تزوجت أبيها وأخذت ثروته كما تسببت في وفاة أمها حزنا، تتقرب من ابنها الأصغر الذي يدرس في كلية الشرطة لكن أمه ترفض هذه الزيجة، وتزوجها من الأخ الأوسط الأبله العاطل، تقوم صابرين بإغراء الأخ الأكبر ومراودته عن نفسه، حتى تحدث غيرة وصراع بين الأخوين على حبها ويطلب الأخ الأكبر من أخيه أن يطلقها حتى يتزوجها هو،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعندما يرفض يقتله ويدخل السجن، تنتقل هي والأم إلى الإقامة مع الأخ الأصغر الضابط، وتبدأ في نصب الشباك عليه مرة أخرى، وعندما ترفض الأم الزواج مرة أخرى تدبر له جريمة رشوة يتم فصله من الشرطة بسببها، وتصاب الأم بالجنون بسبب ضياع أبنائها الثلاثة،

بعد براءة الضابط ومعرفته كل ما حدث يسامحها ويقرر الزواج منها رغم كل شيء!! بعض هذه الأعمال أوجدت مبررا للخيانة والعلاقات غير الشرعية، كما في هذا الفيلم بين الأخ وزوجة أخيه، ومع تكرار هذا التناول اعتاد الجمهور على هذه العلاقات وأصبح قبولها أمر طبيعي ورفضها هو الاستثناء.

شريط السينما هو وثيقة تاريخية تعيش للأبد، يُعرض على أجيال متعاقبة ومختلفة في التفكير والثقافة والطبقة الاجتماعية، ومن الطبيعي أن يتم إعادة قراءة هذه الأعمال _أي أعمال_ من وجهات نظر مختلفة، وهذا لا ينفي عنها قيمتها وجودتها الفنية.

اقرأ أيضاً:

معجزة خارقة للعادة

عزيزي الشاب، عزيزتي الشابة، أعزائي الآباء والأمهات

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عندما يتعاطف الجمهور مع القاتل واللص

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة