فن وأدب - مقالاتمقالات

عندما يتعاطف الجمهور مع القاتل واللص

المسافة بين مقعد المتفرج وشاشة السينما قصيرة جدا، تتلاشى هذه المسافة مع أول ضوء يخرج من الشاشة حيث يدخل المتفرج إلى عالم شخصيات العمل، يعيش معهم ومع تفاصيلهم، يشاركهم مشاعرهم وأحاسيسهم وأوجاعهم، وعلى قدر مصداقية صُناع العمل تختفي هذه المسافة ويُصبح المتفرج جزءا من العمل حتى أنه قد يغفر خطايا البطل، ويدافع عنه ويحزن لقتله أو فقده، وينتصر وينهزم معه.

أسباب التعاطف مع القاتل:

في كثير من الأعمال الدرامية سواء في السينما أو التليفزيون قد يكون البطل محتالا أو قاتلا أو خارجا على القانون، ومع ذلك تجد المتفرج يتعاطف معه ويحزن عندما يقع تحت طائلة القانون أو يُقتل في حادث أو بأي شكل رغم كل ما قدمه من جرائم وقسوة، إلا أن المتفرج له رأي آخر، لا يريد لبطله المحبوب إلا النهاية التي يريدها وهي الانتصار والفوز حتى لو كان ضد القانون، ولهذا التعاطف أكثر من سبب ومبرر منها:

شعبية النجم وجماهريته

شعبية النجم وجماهيريته والتي تجعل صُناع العمل يفكرون في النهاية التي يرضى عنها الجمهور ولا تغضبه، حتى وإن كانت غير منطقية أو ضد رسالة العمل، بعد نهاية فيلم “سلطان” لفريد شوقي ومقتل بطل الفيلم، خرج الجمهور غاضبا بسبب هذه النهاية وقام بتحطيم السينما، لأن نجمهم المحبوب لم ينتصر في النهاية كما أرادوا وكما عودهم،

رغم أنه قاتل وخارج على القانون إلا أنهم لا يهتمون بهذه الأمور بقدر اهتمامهم بانتصار البطل، وهو ما جعل فريد شوقي في أفلامه التي تلت هذا الفيلم يبحث عن نهاية أخرى غير مقتل البطل حتى لا يغضب الجمهور مرة أخرى، بأن يعود لطريق الحق ويُرشد على باقي أفراد العصابة وهو ما يُعد انتصارا أو ينتهي الفيلم بالقبض عليه دون قتله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نفس الأمر تكرر مع عادل إمام الذي قدم القاتل واللص والمحتال كثيرا، لكنه فطن لهذا الأمر من البداية وجعل بطله ينتصر دائما، وحدث أن قام بتغيير نهاية فيلم المولد بأن يتزوج من البطلة ويبدأ من جديد بعد أن كانت النهاية هي دخوله السجن بعد كل ما قام به من قتل وسرقة وتهريب، وبالطبع حدث خلاف شديد بينه وبين مؤلف الفيلم محمد جلال عبد القوي، وانتهى بتنفيذ رغبة النجم وهو ما جعل عبد القوي يعتزل الكتابة للسينما نهائيا،

ويُصبح فيلم المولد هو الأول والأخير له، حدث ذلك أيضا في فيلم سلام يا صاحبي عندما انتهى الفيلم وهو أمام قبر صديقه دون عقاب بعد أن قتل كل أبطال الفيلم، واكتفوا بجملة تظهر على الشاشة مكتوب فيها أنه تم القبض على مرزوق ودخل السجن!!

ربما يكون فريد شوقي وعادل إمام هما النجمين الوحيدين في تاريخ السينما اللذين تعاطف معهما الجمهور وفرح لانتصارهما حتى وهما يقدمان أدوار الشر.

عندما يكون القتل والقسوة مبررين

أيضا يحدث التعاطف عندما يكون القتل والقسوة مبررين، مثلا أن يكون البطل تعرض لظلم شديد وقرر الانتقام، كما حدث في “أمير الانتقام، أمير الدهاء، دائرة الانتقام” وغيرها من الأعمال التي تقوم على الثأر ورد الظلم، هنا يتوحد المتفرج مع بطله المُفضل ويرى أن الانتقام والثأر واجب وضروري، ويشعر بالانتصار والفرح عندما يتحققان،

كما حدث في مسلسل البرنس قبل عامين، أو أن يشعر أن الانتصار على الظلم هو انتصار للمجتمع ككل وليس للبطل فقط كما في “الغول وحب في الزنزانة والبريء”، وأيضا فيلم تراب الماس والذي تدور أحداثه حول البطل الذي قرر عقاب الفاسدين والمجرمين بقتلهم بعد أن أفلتوا من عقاب القانون والمجتمع، وخلال أحداث الفيلم تم وضع كل المبررات التي تجعل القتل مبررا ومشروعا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
ضغوط الحياة وشعور المواطن بغياب العدل

سبب آخر للتعاطف مع القاتل واللص هو نتيجة ضغوط الحياة وإحباطاتها وشعور المواطن بغياب العدل وتجبر الفساد والظلم، جعلته يتوحد مع البطل ويشعر وكأنه ينتصر نيابة عنه وينتقم نيابة عنه، ويحقق كل الأحلام والأماني التي فشل هو في تحقيقها،

ومن هنا ظهرت فكرة البطل الشعبي، هذه العلاقة الخاصة بين الجمهور وعدد قليل جدا من النجوم مستمرة منذ بداية تقديم الأعمال الدرامية وإلى ما لا نهاية، ورغم التطور وظهور مواقع التواصل وانتشار القنوات المفتوحة في كل العالم وزيادة الوعي إلا أن هذا التوحد والاندماج لم ولن ينتهي.

الحرفية

يحدث أيضا تعاطف بأن يتم تقديم العمل بقدر كبير من الحرفية ويتصف البطل بخفة الدم وتميز أسلوبه في النصب مثلا، مع وجود مقدمة جيدة توضح ظروفه واضطراره للقيام بهذا الفعل السيئ، وظهر هذا جليا في مسلسل “100 وش” عندما تم تقديم عصابة النصب بشكل كوميدي ولدى كل منهم مبرر قوي لارتكاب الجرائم،

حدث التعاطف معهم بل ومشاركتهم التفكير في تنفيذ الجرائم وفرحة كبيرة في البيوت وعلى مواقع التواصل بعد أن نفذوا جريمتهم الأولى، بل دشن البعض هاشتاج مطالبين بعدم القبض عليهم أو على عدد منهم حبا فيهم وفي كفاحهم حتى لو كان غير مشروع!

دور الفنان

هذا التوحد والاندماج بل والغفران، أمر جيد وخطير، ولا بد أن يكون لدى الفنان وعي مجتمعي بما يقدمه وما قد ينتج عن أعماله من تأثر وربما تقليد، كما حدث عندما قام أحد الأشخاص في حي شعبي بالانتقام من آخر عن طريق إلباسه ملابس امرأة وسط الشارع كما فعل محمد رمضان في مسلسل الأسطورة، غفران الجرائم بدافع التعاطف أو الحب أو حتى الإحباط ربما يؤدي لاعتياد الشر والجريمة وأيضا اعتياد التسامح والتساهل فيها،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وللأسف حدث هذا الأمر في التسامح والتقليل من جريمة التحرش بسبب تقديمها بشكل ظريف داخل الأعمال الفنية وأنها أسلوب لطيف من البطل من أجل إظهار حبه وإعجابه للبطلة، مع تصدير فكرة أن البنت تسعد بهذا النوع من التحرش خاصة اللفظي، ومنها انتشرت بين المراهقين طرق التحرش بالفتيات وعدم تجريم وعقاب مرتكبها.

اقرأ أيضاً:

الفن حلال المشاكل

حال الفن والإعلام بشكل عام و السينما بشكل خاص 

هل روجت السينما للعنف والبلطجة؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة