مقالاتأسرة وطفل - مقالات

من الذي سيأخذ البيضة الزائدة اليوم؟

بيضة في الطعام

تسللت رائحة الطعام الذكية إلى أنفي، صَاحَبها نداء زوجتي لتناول الطعام، فأسرعت ملبيًا النداء رحمةً بمعدتي المسكينة المتضورة جوعًا، توسطُ المائدة بين زوجتي وطفليَّ الحبيبين – لا يتجاوز عمرهما أصابع اليد الواحدة – ونظرت لأطباق الطعام المتراصة بشكل فني رائع؛ أصابع البطاطس الذهبية المقرمشة ، شرائح الباذنجان المقلى ينبعث منها رائحة لا تُقاوم ، طبق سلطة خضراء لذيذ يسر الناظر إليه ، وأخيرا طبق به أكثر من بيضة مسلوقة غنية  بما هو مفيد للجسم ؛ طعام طالما يتكرر كثيرا إلا أن بريق الرضا المشع من عيون زوجتي وأطفالي يجعل له مذاق مختلف في كل مرة .

شكرت زوجتي على حسن صنيعها ، ونظرت إلي طفليَّ بشجن امتزج بغُصّة ؛ فدخلي حينها يكاد يكفى احتياجات الأسرة الأساسية ، ولا أستطيع شراء ما يُحفِّز الصغيرين لحب القراءة والتوغل بأنهار العلم والمعرفة ، لتكون لهم بمثابة طوق نجاة من طوفان الجهل، وشمس ساطعة تنير العقول، فالتفتُ إليهم قائلا : “من يستطيع منكما الإجابة الصحيحة على السؤال الذي سأعرضه عليكما فإنه سينال بيضة أخرى كجائزة له “.

هلَّل طفلاي بالموافقة وطرحت سؤالا على كل واحد منهما. أدرك تماما مقدرته على الإجابة عليه بشكل صحيح ؛ وبالفعل قام كل منهما بالإجابة والحصول على بيضة وكأنها غنيمة كبرى ، واتفقنا على أنه يوميا سأقوم بطرح سؤال لمعرفة ما تعلَّماه في اليوم السابق ؛ فتكرر المشهد كل يوم على الغذاء ، يطالبني فيه صغيراي بسؤالهما ليصيح كل منهما قائلا ” أريد بيضة يا أبي”.

قصة قد تبدو بسيطة ظاهريًا، إلا أنها حفرت بذاكرتي منذ سماعها من أحد أساتذتي الأفاضل بالمرحلة الثانوية ، فيحكي لنا موقفا بسيطا بينه وبين أبنائه؛ أثمر عن عشق أولاده للقراءة كنافذة لرؤية العالم من خلالها، وإكسابهم عادة نافعة بالرغم من ضيق الإمكانيات وقتها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التشجيع ضروري لتربية الطفل

وانبثق بداخلي منها عدة معاني هامة مثلا؛ ضرورة مراعاة إمكانات أطفالنا ، وما يستطيعون تقديمه بما يتناسب مع فئتهم العمرية، وقدراتهم العقلية ، وتشجعيهم على تنميتها بشكل سليم ؛ وتعزيز سلوكياتهم عند القيام بأي إنجاز حتي وإن كان بسيطًا .

وأيضا معنى التعزيز والثواب الحقيقي ، فهناك آباء يُثقِّلون على أنفسهم بأن يروا أن أسلوب شكر أبنائهم الوحيد هو شراء لعبة ثمينة أو أجهزة إليكترونية حديثة ، غافلين على أنه قد يكون ضمة دافئة تحتويهم وتبعث فيهم الاطمئنان ، أو كلمة صادقة تُصيب القلب فتبهجه ويشرق الوجه بابتسامة خلّابة، خيرٌ من هدايا تقدم لهم بفتور دون شعور حقيقي .

فالثواب الفعال بما يتركه في نفس الطفل من أثر جميل ، وليس زيادة مقتنياته .

لكنني اليوم وبعد مرور سنوات نظرت لتلك القصة بمعنى آخر إثر تعرضي لصدمة أوقفتني بلا حراك ، وألجمت لساني ؛ فأثناء حديثي مع أحد طلاب المرحلة الثانوية سألني بشكل تقريري ” وهل يوجد وظيفة للآباء غير توفير الأموال لأبنائهم ليتمكنوا من شراء ما يريدون؟ ” وكأنها حقيقة وجب علي التصديق بها .

تذكرت حينها قصة أستاذي وأخذت أفكر، هل من الممكن أن يصل تفكير صغارنا إلى هذا الحد نتيجة جهل بعض الآباء للتربية بمفهومها الشامل وهو : تنمية كافة جوانب النفس الإنسانية ( الجسدي ، العقلي ، الوجداني ) . فيترتب على النظرة الناقصة للمفهوم إنتاج أفراد معاقين روحيًا لا جسمانيًا .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ألا يستحق صغارنا أن نبحث ونتعلم كيفية تنشئتهم وتوجيه سلوكياتهم وتقويمها، وغرس القيم والأخلاق لتسمو بروحهم ، ومعرفة ما يتطلب لتهذيب نفوسهم ؟ أم أن أساليب التربية فطرية يُولد بها كل منا ولا يحتاج لتعلّمها ؟ أو أن الأطفال حقل لتجارب الأبوين يحلو لهما ما يفعلانه دون محاسبة؟ .

فاختزال تربية الطفل على أنه جسد -عند الاعتناء به نكون أدَّينا حقهم علينا- لهو ظلم كبير له، وأول ما يجني نتائجه هم الآباء قبل الأبناء، وحينها يكون الندم والاعتذار بلا جدوى .

اقرأ أيضا:

 هل رَضِيتَ؟

 بلا حدود “نحو الإنسان السوبرمان العاقل”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 الرجل والمرأة…من نفس واحدة

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

مى محمود

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة