قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية (الجزء السادس والستون)

المدرسة المشَّائية: (64) أبو سُليمان المنطقي السجستاني: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة، وكتابه: "صِوان الحكمة"

المقدمة

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشات السابقة، عن الفلاسفة المشائين: الستة الأكثر شهرةً، سواءً في المشرق الإسلامي: الكندي [راجع: ج 4، ج 5، ج 6]، والفارابي [راجع: ج 7، ج 8، ج 9، ج 10، ج 11، ج 12]، وابن سينا [راجع: ج 13، ج 14، ج 15، ج 16، ج 17،ج 18، ج 19، ج 20، ج 21، ج 22] أم في المغرب الإسلامي: ابن باجة [راجع: ج 23، ج 24، ج 25، ج 26، ج 27]، وابن طفيل [راجع: ج 28، ج 29، ج 30، ج 31، ج 32، ج 33، ج 34]، وابن رشد [راجع: ج 35، ج 36، ج 37، ج 38، ج 39، ج 40، ج 41، ج 42، ج 43، ج 44، ج 45، ج 46]. وتحدثنا أيضًا عن إخوان الصفا [راجع: ج 47، ج 48، ج 49، ج 50، ج 51، ج 52، ج 53، ج 54، ج 55، ج 56، ج 57، ج 58، ج 59، ج 60، ج 61، ج 62، ج 63، ج 64، ج 65].

لنبدأ في هذه الدردشة مقاربتَنا التأويليةَ لشخصيةٍ فذةٍ في تاريخ الفكر الإسلامي، يقول عنه العلاّمة أحمد أمين: “كان أنبغ فيلسوف في بغداد في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري. لم يكن أقل شأنًا من ابن سينا وابن رشد وربما فاقهما في بعض النواحي، لكن الوجاهة والشهرة حظٌ لم يُرزقهما أبو سليمان، فقلَّ من يعرفه أو يترجم له أو يوفيه حقه، ولولا ما وقع في أيدينا من نبذ هنا وهناك من كلام أبي حيان التوحيدي ما عرفناه”. ويقول عنه الفيلسوف عبد الرحمن بدوي: “إنه من أصحاب النزعة الإنسانية (humanism)، التي ازدهرت في الحضارة الإسلامية في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ويشبهه بـ(أبيلارد) في العصور الوسطى الأوروبية، وبإرزمس (Erasme) في عصر النهضة الأوروبية الحديثة، ويقول عنه الدكتور جواد علي: إنه “شخصيةٌ من الشخصيات القوية الفذّة التي ظهرت في عالم بغداد في القرن الرابع للهجرة، فأثرت في مجتمعات عاصمة العباسيين العلمية وأنديتها الأدبية تأثيرًا يشابه تأثير زميله في المهنة الأديب الفرنسي الفيلسوف (فولتير) في باريس عاصمة الفرنسيين”، إنه: الفيلسوف ومؤرخ الفلسفة أبو سليمان السجستاني مؤلف كتاب: “صِوان الحكمة”.

ف (أبو سليمان محمد بن طاهر بن بابا بن بهرام السجستاني المنطقي، امتدت حياته طيلة معظم القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، توفي بعد سنة 391 للهجرة)، الفيلسوف المقدم في بغداد في الفترة الممتدة من الفارابي إلى ابن سينا، وكتابه “صوان الحكمة وثلاث رسائل” حققه وقدم له الدكتور عبد الرحمن بدوي، طهران، 1974.

كانت نفس أبي سليمان –على حد تعبير جواد علي– تمثل نفسية الموسوعيين (الأنسيكلوبيديين) بكل معنى الكلمة. تتلمذ أبو سليمان على يدي أبي زكريا يحي بن عدي (283ه–364ه تقريبًا)، وجمع حوله في منزله الذي كان –على حد تعبير القفطي–: “مقيلًا لأهل العلوم القديمة”، نخبةً من الفلاسفة والحكماء: من مسلمٍ ونصراني ويهودي، أمثال: ابن زُرعة وابن الخمار وابن السمح والقومسي ومسكويه ونظيف ويحيى بن عدي. ومنهم علي بن عيسى الرمَّاني أول من مزج النحو العربي بالمنطق الفلسفي، وأبو الحسن العامري صاحب كتاب “السعادة والإسعاد”، ومن أجلّ المشاركين في الفلسفة اليونانية، وأبو حيَّان التوحيدي الذي نقل كثيرًا من أقواله في كتبه: “المقابسات”، و”الإمتاع والمؤانسة”، و”الصداقة والصديق”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لذلك فإن كتب التوحيدي هي أوسع مصدر لدينا عن أبي سليمان السجستاني: مجالسه وحياته وآرائه. ويمكن أن يشبه حاله مع أستاذه أبي سليمان بحال أفلاطون مع أستاذه سقراط، كما يقول عبد الرحمن بدوي. هكذا كان بيته مقصد العلماء ليلًا ونهارًا، هذا أبو حيان يقرأ عليه كتاب النفس لأرسطو، وهذا يعرض ما غمض عليه من أقوال الفلاسفة فيشرحها، وهكذا كان مجلسه متعة النفس وغذاء العقل، وأقواله تُنقل إلى الخاصة، ويتجادل فيها العلماء في مجالسهم، ويتخاصم فيها في سوق الوراقين، وتحدث حركة علمية جليلة، لكن لا تلبث أن تخبو وقلّ من التفت إليها وحرص على دراستها، كما فعلوا بكتب ابن رشد وابن سينا وأمثالهما، والدنيا حظ والوجاهة حظ، كما يقول –بحق– أحمد أمين.

كتاب صِوان الحكمة لأبي سليمان: في تأريخ الفلسفة

لأبي سليمان السجستاني كتاب بالغ الأهمية في التأريخ الفلسفي للفلسفة، أعني التأريخ الذي يكتبه فيلسوف للفلسفة: “صوان الحكمة”، وهو من أوائل الكتب في تأريخ الفلسفة اليونانية والإسكندرية والإسلامية، انتخب منه تلميذه عمر بن سهلان الساوي صاحب كتاب “البصائر النصيرية” في المنطق، كتابًا: “منتخب صِوان الحكمة”، وهو ما بقي بين أيدينا، إذ إن النص الأصلي الكامل لكتاب صوان الحكمة مفقود، ولم يبق منه إلا هذا المنتخب، وما اختصره عمر بن سهلان الساوي. إضافة إلى انتخاب لراوٍ آخر مجهول. وعنه أخذ الشهرستاني في كتابه “الملل والنِحل”. وذكر له تلميذه ابن النديم في كتابه “الفهرست” رسائل مختلفة في الحكمة. نشر منها عبد الرحمن بدوي ثلاث رسائل ألحقها بكتابه صوان الحكمة، وهذه الرسائل الثلاث: 1. مقالة أبي سليمان السجزي في أن الأجرام العلوية ذوات أنفس ناطقة. 2. مقالة أبي سليمان محمد بن طاهر السجستاني في المحرك الأول. 3. مقالة أبي سليمان السجزي في الكمال الخاص بنوع الإنسان.

مقاربة تأويلية

لأبي سليمان آراء فلسفية في العلاقة بين الدين والفلسفة والعقل والنفس والطبيعة والزمان والدهر.

وسوف أحاول مقاربة تأويل فلسفة أبي سليمان السجستاني، فأخصُ أطروحته في الفصل بين الفلسفة والدين –أولًا– ثم أفحصُ –ثانيًا– كتابه صوان الحكمة باعتبار أن أبا سليمان كان فيلسوفًا مؤرخًا للفلسفة، وهو الجانب الإبداعي الآخر من فلسفته.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نبدأ رحلتنا التأويلية مع أبي سليمان السجستاني وكتابه: “صوان الحكمة” [2] أطروحة الفصل بين الفلسفة والدين.

مقالات ذات صلة:

حياة الفلاسفة: رَفَه الجهل ومعاناة الحكمة

حُب الفلاسفة!

النفس في الفلسفة والعلم والدين

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج