إصداراتمقالات

ما الذي يجعل الإسلام مميزاً؟ الجزء 2

يقول ابن رشد في فصل مقاله إن “الفلسفة” أو ” الحكمة ” لا تقوم إلا بالنظر العقلي في الموجودات لمعرفة صانعها،

فكلما زادت المعرفة بالمصنوعات زادت المعرفة بالصانع.

وقد أمر النص القرآني في مواضع كثيرة بالنظر في الموجودات واعتبارها لمعرفة الصانع.

وبالتالي فإن ما تقوم به الفلسفة يأمر به الشرع الكريم، والذي نعنيه بلفظ الفلسفة أو الحكمة مأمور به في الشرع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أدلة الشرع على الأمر بالنظر العقلي

والأدلة على ذلك كثيرة:

قال تعالى: ” أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ “؛

فهو نص بالحث على النظر العقلي في جميع الموجودات.

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ”

فقد اختص الله إبراهيم عليه السلام بهذا النظر العقلي، وبه بلغ ما بلغ عليه السلام.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ “؛

فهو أمر بالتأمل في المخلوقات للوصول بالعقل إلى الإعجاز في كيفية الخلق.

وقال ” وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ “. وقال الله تعالى: “فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ“.

وبالتالي فإن الشرع قد أوجب النظر العقلي في الموجودات واعتبارها.

والاعتبار ليس أكثر من الانتقال من المعلوم إلى المجهول، وهذا ما يقوم به القياس العقلي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فواجب أن ننظر في الموجودات بالقياس كما أمرنا الشرع.

وأتم أنواع القياس العقلي والوحيد المؤدي للحق واليقين دائما هو البرهان.

 

أهمية القياس العقلي

ومن الواضح أن الشرع دعانا للتفكر في الموجودات للوصول للحق، وللبحث عن اليقين، وبلوغ الحكمة

وهذا ما يقوم به القياس البرهاني.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولذلك كان من الأفضل أو من الضروري لمن أراد أن ينظر في الموجودات كما أمر الشرع؛

أن يسبق ذلك بمعرفة أنواع الأدلة وكيفية صناعتها،

وكيفية استخدامها للوصول لليقين والحق، وكيف يصنع البرهان.

وذلك لكي يكون نظره مفيدا ومؤديا للحق كما يريد الشرع،

وهذا البحث في الأدلة وأنواعها هو ما يقوم به علم المنطق.

ومثل ذلك يقوم به علماء الفقه أيضا عند النظر في مسائل الفقه،

فإن الفقيه قبل أن يقدر على استنباط الأحكام الفقهية يحتاج إلى معرفة الأدلة الفقهية وكيفية صناعتها.

ومما يدل على ضرورة استعمال القياس العقلي أيضا قول الله تعالى: “فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ”

وهو نص على وجوب استعمال الاعتبار أو القياس العقلي، أو العقلي والفقهي معاً.

وجمهور هذه الأمة يثبتون القياس العقلي؛ إلا قلة من الإخباريين الحشويين المحجوبين بالنصوص.

تعدد درجات فهم الناس

وقد تبين من كل ما سبق أن النظر في كتب الأقدمين في الفلسفة والمنطق واجب بالشرع،

إذ كان المقصد من كتبهم هو المقصد الذي أمر به الشرع وحث عليه في مواضع كثيرة،

كما كان العلم يحتاج فيه المتأخر للمتقدم، فلا يمكن لشخص واحد أن يقف على علم كامل وحده ومن الصفر.

وطباع الناس مختلفة في التصديق:

فمنهم من يصدق بالبرهان، ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية، ومنهم يصدق بالأقاويل الخطابية.

وشريعتنا هذه الإلهية قد دعت الناس إلى السعادة عن طريق معرفة الله بهذه الطرق الثلاث،

ودعت كل واحد من الناس بما اقتضته طبيعته في التصديق،

ولذلك عمّ التصديق بها كل إنسان، إلا من جحدها بلسانه،

أو لم تتقرر عنده طرق الدعاء فيها إلى الله تعالى لإغفاله ذلك من نفسه.

الإسلام يدعو الجميع بما يناسبه

ولذلك خُص عليه الصلاة السلام بالبعث إلى الأحمر والأسود،

أعني لتضمن شريعته كل طرق الدعاء إلى الله تعالى.

وذلك صريح في قوله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بـ الحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”.

ففي الآية نص صريح على استخدام الطرق الثلاث: الحكمة والجدل والموعظة أي الخطابة.

فالأقاويل الشرعية المصرح بها في الكتاب العزيز للجميع لها ثلاث خواص دلت على الإعجاز:

لا يوجد أتم إقناعاً وتصديقاً للجميع منها،

وتقبل النصرة بطبعها إلى أن تنتهي إلى حد لا يقف على التأويل فيها-إن كانت مما فيها تأويل-إلا أهل البرهان،

وتتضمن التنبيه لأهل الحق على التأويل الحق.

الحكمة صاحبة الشريعة

وقد دعا الشرع الجمهور في معرفة الله سبحانه إلى طريق وسط ارتفع عن حضيض المقلدين وانحط عن تشغيب المتكلمين،

ونبه الخواص على وجوب النظر التام في أصل الشريعة.

فـ الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة وهما المصطحبتان بالطبع المتحابان بالجوهر والغريزة.

وقد رفع الله كثيرا من الشرور والجهالات بهذا الدين الغالب،

وطرق به إلى كثير من الخيرات، وبخاصة على الصنف الذين سلكوا مسلك النظر والعقل،

ونبههم على وجوب النظر التام في أصل الشريعة.

حث النص الإسلامي على التعقل

ونضيف بعض النصوص الإسلامية التي تعلي من شأن العقل أيضا؛

فمنها ما حمله النص القرآني من البشرى لأولي العقول:

“فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وأولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ“.

ومنها الدعوة للنظر العقلي في آيات الكون، وأنها آيات للعاقلين:

“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ والْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ

وما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها

وبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وتَصْرِيفِ الرِّياحِ والسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ والْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ“.

وقوله تعالى:

“وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”

وغير ذلك كثير بل أكثر من أن يحصى.

وذم المعطلين عقولهم:

“وإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا

أَولَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُونَ”.

وقوله تعالى:

“ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً ونِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ“.

إن الإسلام لهو دين معجز من حيث اهتمامه بالعقل والعلم و الحكمة،

لكن أتباعه أساؤوا فهمه وتطبيقه في عصور نكستهم، وأعداءه تحاملوا عليه كذبا وتزييفا.

فصلى الله على من كان مولده مولدا لربيع العقول ولربيع الدنيا.

لقراءة الجزء الأول من هنا

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة