إصداراتمقالات

ما الذي يجعل الإسلام مميزاً؟ الجزء 1

الإسلام ونبي الله محمد

من الأمور المهملة في التعرض لسيرة الحبيب ومولده هو الأثر الهائل له ولرسالته التي بعثه الله بها على العقول،

لقد كان مولده بحق هو مولدا لربيع العقل، وإن عمي عن ذلك أصحاب العقول القاصرة أو القلوب الحاقدة.

ونعرض في هذين المقالين بعضا من مظاهر ذلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العرب قبل وبعد نبي الله محمد

يعرض د. حمدي زقزوق في كتابه ” قضايا فكرية واجتماعية في ضوء الإسلام ” لجزء من هذه الحقيقة،

فيقول إن العرب قبل الإسلام كانوا بلا فكر ولا فلسفة، منغمسون في التقليد، متسربلون بالخرافات، ذوي معارف غير راقية سواء عقلية أو تجريبية .

فلما بعث الله أحمدا نقلهم إلى أفق العلم والمعرفة، فأقاموا دولة عظمى، وحضارة طويلة متسعة،

وازدهرت العلوم والمعارف، وأبدعوا فكرا وفلسفة متميزة ذات طابع جديد.

ولم يكن هذا الانطلاق وليد الصدفة؛ بل له أسس راسخة في هذه الرسالة الجديدة، أولها نظرة الإسلام للإنسان؛

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهو خليفة الله في الأرض، وهو المكرم والمفضل على كثير من الخلق تفضيلا.

وضمن له حقه في الحرية وفي الأمن على نفسه وماله فهما حرام، هذه الكرامة والحرية هي تلك الناتجة عن تحمل الأمانة التي حملها الإنسان.

ومن أسس هذا الانطلاق أيضا مفهوم تسخير الله الكون للإنسان ليمارس فيه نشاطاته الروحية والعقلية والجسدية،

فلا يجوز أن يتخذ من الكون موقف اللامبالاة بل موقف إيجابي بدراسته والاستفادة منه.

بماذا أمر الإسلام ؟

وقد أمره بالتفكر أمرا واضحا لا يحتمل التأويل أو الإغفال وأمره بالاستفادة من الكون بالدراسة والعلم والفهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهو لم يستحق هذه الخلافة وهذه المكانة وهذه الأمانة إلا بالعقل؛

فهو الميزة التي اختصه الله بها عن باقي الكائنات، وهو محل التكليف والاختيار والأمانة.

ونوه الإسلام بالعقل والتعويل عليه في العقيدة والتكليف، فلم يكلف الإنسان إلا لكونه عاقلا،

وأمره ألا يتبع الظن في العقائد بل يستخدم عقله في البحث عن اليقين، وطلب منه البرهان في العقائد (قل هاتوا برهانكم)، ونهاه عن التقليد.

خطاب القرآن للعقل

ولم يشر القرآن للعقل إلا بالتعظيم والتكريم ووجوب التبعية له والعمل به والرجوع إليه، وأشار إليه بكل ملكاته وخصائصه (تفكر-نظر – تدبر-…)

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وخاطبه كعاصم للضمير ومدرك للحقائق، فمحاولة تعطيله هي تعطيل حكمة الله،

ومن يعطله أحط من الحيوانات (أولئك كالأنعام بل هم أضل). بل إن عدم استخدام العقل خطيئة (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب الجحيم فاعترفوا بذنبهم).

وجعل التفكير واجبا وفريضة، وجعل استخدامه مسئولية حتمية سيسأل الإنسان عنها ويحاسب (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).

رفض التقليد الأعمى

وقد مهد الطريق للعقل وسهل مهمته؛ فحطم عوائق التفكير السليم؛ فرفض التبعية والتقليد الأعمى واتباع الآباء والأجداد،

وقضى على الدجل والشعوذة والخرافات (الشمس والقمر آيتان…لا ينكسفان لموت أحد).

وأبطل الكهانة، وركز على المسئولية الفردية؛ فكل فرد مسئول عن أعماله مسئولية تامة وحده فلا تزر وازرة وزر أخرى، وسنقابل الله فرادى كما خلقنا أول مرة.

وحرر التوحيد الإنسان من الخوف من أي سلطة غير الله، وأكد على استقلال إرادة الإنسان واستقلال فكره،

فحطم الأصنام الفكرية والعقائدية، وحطم الأصنام التفكيرية من المقدسات المانعة من التفكير السليم.

وقد أثر هذا الانطلاق على الفكر الإنساني والفلسفة تأثيرا نظريا وآخر عمليا.

التأثير النظري للرسالة المحمدية

أما التأثير النظري فقد قام بتوفير كل شروط النهضة الفكرية كما سبق.

كما تفاعل الفكر الإسلامي مع باقي الثقافات بانفتاح دون إقصاء فأخذ الحسن ورد القبيح

(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، و(الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها)،

وجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأطلق القرآن الطاقات الفكرية وحث عليها وأمر بها.

وعرض القرآن بكل أمانة آراء المخالفين له وفندها بالمنطق السليم،

وحذر من إصدار الأحكام دون علم (ولا تقف ما ليس لك به علم)، كما يعرض القرآن قصة إبراهيم عليه السلام والنقاش العقلي مع قومه حول أهمية الألوهية.

التأثير العملي للرسالة المحمدية

أما التأثير العملي؛ فقد كانت الدولة الإسلامية أرحب الدول صدرا بالفكر والمفكرين حتى من غير المسلمين.

ولم يقف الإسلام عائقا أمام العلوم التجريبية والطبيعية كما حدث في أوروبا من الكنيسة بل ازدهرت هذه العلوم،

بل كان الإسلام سببا عند هؤلاء العلماء في البحث في هذه العلوم.

وازدهرت الحضارة الإسلامية بعدد من ألمع المفكرين في المجال الفلسفي (الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، الغزالي، ابن باجة، ابن طفيل)،

بعض مظاهر ازدهار الحضارة الإسلامية

ونقل المسلمون الفلسفة اليونانية وهضموها ونقدوها وأضافوا لها؛ خاصة المدرسة الشرقية والتي من أبرز أعلامها الفارابي وابن سينا،

وآمنوا بقدرتهم على الإضافة للفكر باستمرار كما قال الفارابي.

فبرع العقل الإسلامي في مجالات كثيرة بل ابتكر علوما جديدة كالجبر واللوغاريتمات وغيرهم.

وقد احتوى الإسلام على بعض الأفكار التي أدت للتطور الفكري والحضاري؛ منها مبدأ الاجتهاد، ووجوبه على من امتلك مقوماته من علم بالأصول وعلم بكيفية الاستنباط منها،

كما غفر للمجتهد المخطئ وقال إن له أجرا، وجعل للمجتهد المصيب أجران.

ومن هذه الأفكار أيضا كما سبق فكرة التوحيد، فلا تعظيم ولا خوف إلا من الله.

وفكرة انقطاع الوحي ففيها رفع للوصاية على العقل بعدها فقد انتهى الوحي وعلى الإنسان استخدام العقل عند غياب النص،

وناشد القرآن على استخدام العقل والتجربة والاجتهاد بهما.

العقل والدين

ومن المبادئ الهامة أيضا مبدأ الوسطية والتوفيق؛ فالإنسان عقل وروح في الإسلام ولا يجب أن يهمل مطالب أحدهما.

والعقل والدين مصدرهما واحد وهدفهما واحد–هداية الإنسان

وكلاهما أثران من كمال الله لا يتناقضان فالكمال لا يناقض بعضه بعضا، والحق يوافق الحق ويشهد له ولا يضاده،

ولا يجوز في الإسلام وضع خصومة بين العقل والدين فهو يدفع العقل دفعا للتفكر كما سبق.

وعدم وجود هذه الخصومة بين العقل والدين جعل الإسلام ليس في حاجة بمكان للعلمانية التي أدت هذه الخصومة لظهورها في أوروبا.

لا إفراط ولا تفريط

لقد استطاع الإسلام استخدام كافة أدوات المعرفة بشكل سليم دون تفريط أو إفراط

ويظهر ذلك في نجاحه في المزج والدمج بين محاسن الثقافة الفارسية الصوفية والثقافة الرومانية العقلية

فأخرج صيغة حضارية ثقافية إسلامية جديدة تسع الإنسان أينما كان في اتجاه نحو عالمية الثقافة.

فوفق الإسلام بين الخلق والروح والفلسفة والدين،

ومبادئ العقيدة الإسلامية تشتمل على ما يهيئ للإنسان استخدام العقل في شئونه ومعاشه وما يعده للاتصال المباشر مع الله روحيا في نفس الوقت.

أما عن نظرة الإسلام للتاريخ، فيشير القرآن كثيرا إلى اعتماد المعرفة الإنسانية على

العقل والحواس، وذلك يستبعد كافة المعارف الأخرى القائمة على الخرافة أو الأساطير أو التقليد أو اتباع الآباء، ويعرض القرآن تاريخ المكذبين في هذا السياق.

فصلى الله على من أنار العقول، ونشر العلم والنور.

لقراءة الجزء الثاني من هنا

لمتابعة قناة اليوتيوب الخاصة بنا اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات اضغط هنا

 

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة