مقالاتقضايا شبابية - مقالات

البطولة هي سوبر مان؟ أم شخص علم طفلا فقيرا الحروف الأبجدية؟

البطولة

عندما تسمع كلمة ≪ البطولة ≫ فأول ما يقع فى ذهنك هو صورة لرجل يفعل شئ خارق للعادة كسوبر مان، أو شخص يترك أثرا فى أعداد مهولة من الناس، ربما شخص ترك عمله وقرر الذهاب لإفريقيا لمساعدة من يعانون المجاعة والفقر هناك، أو شخص ضحى بنفسه من أجل غاية نبيلة وتحمل الكثير من الآلام والمصاعب من أجلها، أو ربما شخص قرر المجازفة وقرر أن يترك دراسته وعمله وأن يتبع شغفه ويعمل فيما بحب ونجح بالفعل وحقق الملايين.

ننظر لهؤلاء بعين الإعجاب والانبهار، كلنا يريد أن يصبح مثلهم، كلنا يريد أن يغير شيئا فى هذه الحياة، أو أن يترك أثرا خلفه بعد أن يموت، وعلى النقيض من منا تنظر إلى ربة بيت بسيطة وتريد أن تصبح مثلها؟ من منا ينظر إلى شخص عادى يوجد منه الآلاف كطبيب على سبيل المثال يذهب فى الصباح إلى عمله ويعود فى المساء ليقرأ قليلا أو ليجلس مع أسرته، أو كموظف بسيط لا أحد يعلم عنه شيئا وبالطبع لا يظهر على التلفاز ولا يطير كسوبرمان ولا يسافر لإنقاذ من يعانون المجاعات حول العالم.

لا أحد يستطيع إنكار أن هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا فى حياة الآخرين بشكل ملحوظ نراه فى وسائل الإعلام أو على التلفاز هم أبطال حقيقيون ويستحقون أن تُخلّد ذكراهم إلى الأبد وأن نفخر بهم، ولكن المشكل هو حصْر البطولة في تلك الصور المعدودة، حصْر البطولة فى الشخص المميز الذى يفعل شيئا لا يفعله الباقون، وأن السعي الأوحد أن تكون مختلفا أو أن تبحث عن وضع متفاقم بشدة لكى تصلحه.

نماذج مختلفة

وكأن الأمور التى قد تبدو أقل تفاقما لا تستدعي الإصلاح أو لا تستوجب كلمة ≪بطولة≫، فإنك على سبيل المثال قد ترى طبيبا بيده إنقاذ حياة آلاف الأشخاص ولكنه يتمنى أن يوضع فى موقف ينقذ فيه غريقا لكى يشعر أنه البطل، أو شخصا ثريا يعيش حوله جيران فقراء ولكنه يتمنى لو سافر إلى إفريقيا لمساعدة من يعانون المجاعة، أو معلم يعيش ببلدته أناس يحتاجون لتوعية ويود لو تأتيه فرصة ليمحو أمية من لا يعلمون القراءة والكتابة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وربما تتمنى إحداهن أن تبني دارا لأطفال الشوارع يتعلمون فيه، وتترك أولادها لمربية لأن ليس لديها وقت لهم. ويظل هؤلاء يحلمون بتلك اللحظة التي يكونون فيها أبطال ويتركوا بعدهم أثرا، وتمر السنون وهم يحلمون ويتمنون، ولا يرون أنهم بالفعل قد خلقوا ليكونوا أبطالا، لا يحتاجون إلى سفر أو إلى فرصة ذهبية ليبرزوا مهاراتهم.

البطولة تختلف من شخص لآخر، ربما تكون بطولتك أن تعول عائلتك التي ليس لها غيرك، أو أن تقف بجوار والدك وهو مريض ولا يجد سندًا غيرك، ربما بطولتك أن تساعد مريضا، أو أن تعلم شخصا حرفا، أو أن تبني منزلا، أو ربما البطولة أن تقرر أن تغير صفة سيئة فيك، أو أن تساعد فى تغيير أقرب الأشخاص إليك، أجد أشخاصا كثيرين يندمجون فى محاولة تغيير العالم وربما ينسون حظ أهليهم أو ينسون أنفسهم من التغيير، ظانين أن الأثر الذي سيتركونه فى أنفسهم أو أهليهم أقل بكثير مما سيتركونه لو ساعدوا أطفال المجاعات!

صديقى… إياك ثم إياك أن تقْصر معنى البطولة على فعل أو اثنين أو ثلاثة من أمثلة ما ذكرته فى أول الحديث؛ فمعنى البطولة أعمق من ذلك بكثير فالبطولة الحقة هى أن تمتلئ بالعلم والمعرفة والمحبة أولا فينير قلبك، ثم تنير لأهلك وتنير لمن حولك، لا تتعجل أن تساعد الآلاف، وسر خطوة بخطوة نحو ترك الأثر، وتذكر أنه لا عيب فى أن تفعل شيئا بسيطا فى أعين الناس كالقيام بمهنتك على أكمل وجه.

البطولة أداء للدور على أكمل وجه

فأعين الناس لم ولن تكون مقياسا، إنها عين قاصرة، لا ترى سوى الحاضر، لا يرون أنه إن كنت طبيبا فالمريض الذى ستساعده اليوم قد يسافر إلى إفريقيا غدا وينقذ آلافا، وأن أخاك الذى تساعده فى دروسه اليوم سيكون رب أسرة غدا وسينير عقول أبنائه وأحفاده وذريته من بعده، وأن وقفتك مع نفسك لكي تصلح ما بها من عيوب ستغير مجرى حياتك وقد تغير مجرى حياة الآلاف بعد نحو مدار عشرين عاما، وأن مساندتك لأبيك ستترك أثرا فى نفسك لا يستطيع إطعام آلاف الأطفال الجائعين تركه، وأن هذا الأثر هو ما سيجعلك تحيا وتنير وتُطعم فيما بعد

نحن حلقة فى سلسلة، يجب أن يؤدي كل منا دوره وألا يقلق على أثره أن يختفي إن مات، فإن كان صادق النية فإن أثره سيظهر ولو قام بأبسط الأعمال، وألا يقلق من بساطة العمل، فرب عملٍ بسيط يُحيى آلافا دون أن ندري، وربما ننفق العمر كي نثقب ثغرة كي يمر النور للأجيال مرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه

بعد فضيحة الفيسبوك… ما هو مصير المعلومات المسروقة؟

أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

دينا عاطف

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة