مقالات

The Ugly Truth -كيف يغير الإعلام صورة الواقع؟ الحقيقة البشعة

منذ بضعة أيام، شاهدت فيلما أجنبيا بعنوان ” الحقيقة البشعة – The ugly truth” على إحدى قنوات الأفلام المشهورة. تدور أحداث الفيلم في أمريكا حول مقدم تليفزيوني لاقى برنامجه الذي يحمل نفس العنوان “الحقيقة البشعة” نسبة مشاهدة عالية بسبب أسلوبه الفج وغير الأخلاقي في الحديث عن العلاقة بين الجنسين، وكيف أن نظرة الرجل للمرأة تتمحور وتنحصر في الجانب الجسدي وإشباع شهواته الجنسية وأنه يجب على المرأة نسيان الأوهام الخاصة بالعشق والحب وعليها التعامل فقط مع هذه الحقيقة “البشعة”.

نتيجة للضجة التي أثارها البرنامج الذي يقدمه بطل الفيلم تسابقت عليه القنوات التليفزيونية وفازت إحداها بالتعاقد معه وأفردت له مساحة زمنية كبيره ليقدم مواضيعه الشائكة بجرأة كبيرة محطما كل حواجز الحياء المجتمعي. ولكنه يصطدم في عمله بمديرته – بطلة الفيلم – التي تعترض في بادئ الأمر على أسلوبه الهابط ولكنها سرعان ما تُرغم على العمل معه بعد ضغط مديري القناة التليفزيونية عليها الذين أوضحوا لها أن ارتفاع نسبة المشاهدة للبرنامج يعني بالضرورة المزيد من الإعلانات التجارية وبالتالي المزيد من الأموال وهذا هو معيار النجاح الوحيد في القناة.

هل ” الحقيقة البشعة ” حقيقية ؟

ولتجنب الصدام بين بطلي الفيلم يتفقان على رهان بأن البطل سيترك القناة التليفزيونية في حالة فشله في إنجاح العلاقة الغرامية بين البطلة وجارها الشاب، وبالفعل ينجح بطلنا بنصائحه المعتمدة على إثارة الشهوات والغرائز في إيقاع الشاب في شباك البطلة ويفوز بالرهان.

يحاول الفيلم من خلال سياق الأحداث وانبهار الممثلين بكلام البطل ونجاح العلاقة بين البطلة وجارها الشاب بعد اتباعها لنصائح البطل المتجاوزة أن يؤكد أن العلاقة بين الجنسين تُبنى أساسا على الشهوة الجنسية ولا وجود حقيقي للمودة والرحمة أو تناغم الميول والأفكار بين الطرفين، وكل هذه الجوانب هي ادعاءات فارغة تحجب أعيننا عن الحقيقة البشعة التي نرفض الاعتراف بها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن بالرجوع إلى تكوين الإنسان نجد أن هناك عدة قوى تتدافع الإنسان وتؤثر في أفعاله، فهناك قوى الشهوة والغضب وهناك أفكاره ومعتقداته وأيضا نمط تربيته وخبراته والبيئة من حوله، ويبقى القرار للإنسان أن يستجيب لأي من هذه القوى. إذن ليس الإنسان بحيوان شهواني لا تؤثر عليه إلا الغرائز بل كائن مختار يمتلك حرية القرار.

لكننا هنا لا نهدف لتوضيح ما هو واضح بالفعل بل لإظهار الحقيقة البشعة :

الإعلام وخدعة إظهار الواقع

الفكرة القائلة بأن “الإعلام لا يهدف للتأثير على المشاهدين ولكنه فقط يُظهر الواقع كما هو” هي خدعة ساذجة لا يجب أن تنطلي على أحد، خصوصا بعد تعدد الشواهد الدالة على تعمد عرض الإعلام للمظاهر الاجتماعية السيئة في المجتمع والشاذة عنه بمعنى المنتشرة بين فئة قليلة من أفراده كظواهر سائدة في المجتمع.

يقوم الإعلام بعرضها بصورة درامية مؤثرة وبشكل متكرر مستعينا بالممثلين الشباب ذوي الشعبية الجماهيرية الكبيرة أو مقدمي البرامج الحوارية أصحاب الأسلوب الكوميدي الجذاب، كل ذلك يؤثر فكريا ونفسيا على غالبية المجتمع بإقناعهم أن ما كانوا يعتبرونه شاذا ومتجاوزا للأعراف والحدود الأخلاقية أصبح ظاهرة مجتمعية سائدة بل وسمة للشخص الجريء والمحبوب، فيشعر المشاهد الذي هو في الحقيقة مُنتمٍ للأغلبية المحترمة للحدود والأعراف، يشعر أنه الآن أصبح غريبا ومتأخرا وسط مجتمع تجاوز أفكاره وأخلاقه التقليدية، فيتساقط الأفراد شيئا فشيئا من منطقة الأخلاق والأعراف إلى المنطقة الشاذة التي تستمر في الاتساع حتى تصبح هي المنطقة السائدة فيتسافل المجتمع شيئا فشيئا نحو الهاوية وهكذا.

مدرسة المشاغبين

نحن نتذكر مثلا كيف أثارت مسرحية “مدرسة المشاغبين” حينما عرضت لأول مرة سخط العديد من المفكرين ورجال التعليم، لأنها تقدم التلاميذ منخفضي المستوى الأخلاقي والتعليمي في صورة كوميدية جذابة شجعت الكثير من التلاميذ على تقليدهم بالتجرؤ على مدرسيهم وإهمال تحصيل العلوم. ثم مع مرور الوقت وجدنا أن ما كان مستنكرا في هذا الزمن أصبح رائجا ومنتشرا في وقتنا الحالي. ولكن هل توقف الإعلام عند هذا المستوى؟ أبدًا! فالإبداع في التسافل لم يتوقف.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لنجد أعمالا درامية أخرى تعرض أحداثا مستنكرة مثل إقامة علاقة جنسية بين إحدى المدرسات وتلميذها الصغير وغير ذلك من الظواهر الاجتماعية شديدة التطرف والندرة والمثيرة للشهوات والمخاطبة لحب التميز لدى الشباب ليأخذنا ذلك كله إلى أبعاد أخلاقية وسلوكية أسوأ وأكثر ظلاما.

الحل

الحل دائما وأبدا سيكون في الإعلام البديل، الذي يقوم به أشخاص يتحلون بالوعي والأخلاق والشجاعة وبالقريحة المبدعة، ليقدموا النماذج الراقية سواء تاريخيا أو في العصر الحالي بصورة جذابة ومشوقة تخطف عقل المشاهد وقلبه وتزرع الشوق في وجدانه ليسمو ويرتقي.

اقرأ أيضا:

كابتن سولي والولد الصغير – أزمة المعيار في عالمنا اليوم

صراع منطقة الحزام الأصفر .. تأملات في فيلم الذهب الأسود

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حب عاقل ينعش صاحبه.. لما لا نحاول أن نرتقي بقيمة الحب

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

أحمد عثمان

باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ

مقالات ذات صلة