إصداراتمقالات

ابن الانترنت البار

هل بإمكاننا حقًا أن نجعل هذا العالم مكان أفضل؟ هل لدينا القدرة على معرفة الحقيقة واتباعها؟ هل العالم يسير كما ينبغي أن يكون؟ كل هذه الأسئلة دارت في خلده فكان حقًا ليس كبقية جيله. مفعمًا بالأسئلة دائمًا وبالفدرة على التغيير والإضافة.

ولكنه كان مشغولاً بالسؤال الأهم.

في أي كفة سنضيف. هل أفعالنا ستساند من يستحقون المساندة أم سنكتفى فقط بأن نكتنز الأموال غير مكترثين بما يبدو عليه العالم.

هذا ما أثاره الفيلم الوثائقي العبقري ” قصة آرون شوارتز: ابن الانترنت البار” حيث أبدع المخرج والكاتب “بريان نابينبرجر” في تسليط الضوء على حياة ذلك الشاب من الولادة وحتى الممات. مما أسفر عن ترشيح الفيلم في فترة قصيرة بعد إنتاجه في 2013 حتى يومنا هذا في خمسة مهرجانات حصد خلالها ثلاثة جوائز.

ولد آرون في الثامن من نوفمبر عام 1986 ونشأ بين إخوته لأسرة حاضنة راعية كانت بيئة صحية لنموه وكغيرها من الأسر تهتم بسعادة وأمان أطفالها. منذ نعومة أظافره وهو متميز محب للتعلم ولنقل العلم ومشاركته مع غيره.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومع مرور الوقت ذاع صيته كمبرمج عبقري وشارك في العديد من المشاريع الضخمة مكتسبًا ومشاركًا للعديد من الخبرات بين رجال الأعمال والأكاديميين والموظفين والمبرمجين وغيرهم. و دخل في هذا العالم منذ أن كان في الثانية عشر من عمره.

ضاقت الدنيا به ذرعًا عند اصطدم بأن البرمجة مثلها مثل كل شيء. سلاح ذو حدين. فهل اختراع #الانترنت العظيم والشبكة المعلوماتية ستصب في صالح من يستحقون؟ أم سترجح الكفة الأخرى وفى أي كفة سيكون هو آرون؟

منذ البداية وقد حسم ذلك. يجب أن تتاح فرصة التعلم ونشر #المعلومات للجميع. إننا حين نخسر القدرة على الحصول على المعلومة. فإننا نسلب جزء من حريتنا. خاض هو هذه المعركة في ذهنه ومع من حوله حتى وصلت المعركة إلى أبعد مما يتخيل.

وما آمن به و سعى وراءه ونشره قد انتصر في النهاية في بعض المعارك الصغيرة، فقد استجاب له الناس وضمت دعوته بحرية الحصول على المعلومات وإيقاف تجريم ذلك بدعوى القرصنة الناس أولاً ثم الشركات وكذلك المواقع المعلوماتية الشهيرة.

وكما أن حربه ضد #احتكار المعلومة ووزنها بالأموال قد جنت بعض ثمارها إلا أنها أشعلت من حوله الجحيم. فقد وجهت له تهم عدة بدعوى اختراق حسن الاستخدام في مجال الكومبيوتر والانترنت. وكأنه روبن هود الانترنت إلا أنه في هذه الحالة لم يكن يسرق هو فقط يريد أن يكون العلم للجميع وضد احتكاره بدافع التجارة فليس كل متعلم يملك القدرة على الشراء.

وبين المحاكم والحياة الصاخبة الحافلة بالعديد من المشاكل والضغوط، تم دفعه دفعًا تجاه إحدى خيارين. الأول أن يستمر في حربه فيدخل السجن رغم الملايين التي ينفقها لإدارة أمور المحاماة الخاصة بقضيته. والثانية ان يتخلى عن مبادئه حتى تسكن الحرب وتضع أوزارها. ثم تستمر حياته على هذا النمط ويتوقف عما يمليه عليه ضميره تجاه ما يؤمن به.

ويبدو أن عقلية آرون كمبرمج فذ كانت مبرمجة على أنه دائمًا هناك حل ما يقبع في ثنايا السطور في الكتب. أو في التفاصيل الصغيرة في الحياة العملية. وحينما شعر آرون أنه محاصر ولا مفر إلا من حياة بلا نضال تجاه ما يؤمن به .أو حياة تحت سطوة السجان على جرم ليس بجرم.

فاختار آرون خيار ثالث .للأسف كان خيار الانتحار- حسب ما وثقه الفيلم- في الحادي عشر من يناير عام  2013

وكأنه يقول :حياة في السجن بعيدًا عن أهلي وخلاني ونضالي تجاه ما أؤمن به لن تضيف شيئًا للواقع ولن أستطيع أن أجعل بها العالم أفضل. فأنا مقيد.

وحياة وسط أحبائي بدون اكتراث تجاه ما أؤمن به خشية الضرر وخشية السجن هي أيضًا قيد على صدري.

كلا الحالتين قيود.

كلا الحالتين سجن.

إن كان يضركم في الدنيا وجودي. وإن كنت سأظل سجينًا حيث لا منفذ لأفكاري. فها أنا ذا قد اخترت لكم ولي الخلاص.

يذكرني ذلك بقصة فتاة تبعها بعض الفتية يريدون التعرض لها بالأذى حتى وصلت إلى حافة جبل. وهم يظنون أنهم نالوا منها

فلا مفر. فاختارت هي المغادرة. منطلقة إلى عالم أوسع وأبرح حيث لا خوف ولا اغتصاب.

وإن كان #الانتحار في حالة آرون هنا دافعه هو اليأس من القدرة على التغيير أو الاكتئاب الشديد الذى يختل عنده العقل فلا يميز بين النافع والضار فدعنا نقل أن العالم خسر مبرمجًا جميلًا مثل آرون. وآرون لم يستطع أن يستأنف إضافة للعالم في مجال البرمجة أو في نفع من لا تمتلئ بطاقاتهم الالكترونية بالأموال.

وكان انتحاره بمثابة وقود لهبة جديدة تسعى نحو ما كان يؤمن به وهو أن نحاول أن ندفع العالم دفعًا حتى يكون عالم أفضل.

هذه المقالة مختصرة للغاية ولا توفى قدر آرون شيء .لذلك أدعوكم لمشاهدة الفيلم الوثائقي الذى كان سببًا في كتابتها ولكى تعلموا عنه أكثر وتختبروا ما مر به.

#بالعقل_نبدأ

حازم خالد

طبيب امتياز – كلية الطب جامعة المنصورة
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة