قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الخامس والثلاثون

المدرسة المشَّائية: (33) ابن رشد وكتبه "فصل المقال"، "مناهج الأدلة"، "تهافت التهافت"

الفلسفة والتأويل (1): مقدمة: التأويل والتكفير

لنختم في هذه الدردشة –صديقي القارئ صديقتي القارئة– بآخر فلاسفة المدرسة المشَّائية في المغرب العربي والأندلس: ابن رشد، لننظر –في نهايةِ رحلتِنا الفكريةِ التأويليةِ معه– ماذا يمكن أن نأخذ منه، وما يصلح أنْ نؤسسَ عليه من أفكارهِ وفلسفته في التأويل البرهاني.

ابن رشد الفيلسوف الفقيه

ابن رُشْد (أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد 520هــ/1126م– 595هــ/1198م) الفيلسوف الذي عرف في الغرب اللاتيني باسم “الشارح الأكبر لأرسطو”، فيلسوف قرطبة، وفي الوقت ذاته، فقيه فقهائها: فروعًا وأصولًا، وقاضي قضاتها الذي ورث منصب القضاء عن أبيه وجده.

بسبب هذه المعرفة العميقة والواسعة بعلمي الفقه: علم أصول الفقه وعلم الفقه المقارن، وكذلك بسبب معرفته الموسوعية بعلم أصول الدين: علم العقيدة، أو علم الكلام، التي تجلت –هذه المعرفة– في أول كتبه: “الضروري” في أصول الفقه، وهو تلخيص لكتاب “المستصفى” للإمام الغزالي، وفي كتابيه الفريدين: “بداية المجتهد ونهاية المقتصد”، “ومناهج الأدلة في عقائد الملة”، استطاع ابن رشد أن يتجاوز أرسطو (دون أن يهدم المباني المشائية الأرسطية)، فقدم لنا ما سكت عنه أرسطو في فلسفته، مضيفًا إليه من إبداعه الخاص ومن عبقريته الإسلامية التي جمعت بين المعقول والمنقول جمعًا يوافق فيه الحقُ (التأويل البرهاني الفلسفي) الحقَ (أصول الدين والشريعة) ولا يناقضه، بل يشهد له ويوافقه، أقولُ استطاع ابن رشد تأسيس فلسفة “تأويلية برهانية” (بتعبيرنا المعاصر، “هرمنيوطيقا فلسفية برهانية”)، أو لنقل بعبارة رشدية: فلسفة تأويل برهانية، أي فلسفة تأويل تقوم على البرهان واليقين، ولا تقوم على الظن والتخمين، تستند إلى قوانين علمية صارمة، ولا تستند إلى تأويلات غير برهانية: كلامية أو صوفية، لا يمكن إثباتها للآخرين المخالفين لها، فتبقى مجرد مُدَّعيات منسوبة لأصحابها.

هذه “التأويلية البرهانية” مستمدة ومستفادة من المفكر الأول المحرك للفكر الفلسفي في الأندلس، أعني الفقيه الفيلسوف ابنَ حزم الأندلسي: مواطن ابن رشد القرطبي وسلفه الكبير.

ثلاثة كتب

من أهم كتب ابن رشد، الفيلسوف والفقيه، التي أسست للتأويل العلمي البرهاني ثلاثة كتب رئيسة: كتاب “فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال”[1]، وكتاب “مناهج الأدلة في عقائد الملة”[2]، وكتاب “تهافت الفلاسفة”[3]، وعلى هذه الكتب الثلاثة سوف أعتمد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التكفير تأويلًا

بسبب تأويل الفقهاء والمتكلمين للفلسفة والفلاسفة، خصوصًا فلسفة الفارابي وابن سينا، تأويلاتٍ لم يقصدها الفلاسفةُ، كما فهمها تأويلًا ظنيًا باطلًا هؤلاء المتكلمون والفقهاء، فقد كفّروا الفلسفة والفلاسفة في العالم الإسلامي. ولا زالت أصداءُ هذا التكفير تتردد حتى اليوم!

 مهمة ابن رشد

كانت مهمةُ ابن رشد مزدوجةً: أن يقوم بعملين كبيرين: الأول: دفاعًا عن الفلسفة ضد مكفّريها تأويلًا. والثاني: بيان قوانين التأويل العلمي البرهاني الصحيح، مقابل التأويل الظني غير البرهاني. وبناء على كل ذلك سأحاولُ مقاربةَ الفلسفة والتأويل عند ابن رشد، على النحو الآتي:

أولًا: دفاعًا عن الفلسفة ضد مكفريها تأويلًا:

  1. الغزالي: تكفير الفلاسفة في مسائل ثلاث.
  2. رد ابن رشد على الغزالي في المسائل الثلاث:

أ. في مسألة عدم علم الله بالجزئيات: العلم الإلهي يختلف عن العلم الإنساني.

ب. في مسألة قدم العالم: مجرد اختلاف في التسمية.

ج. في مسألة حشر الأجساد: المعاد وجودًا يختلف عن المعاد أحوالًا.

د. المتكلمون ليسوا على ظاهر الشرع بل متأولون.

  1. فتوى ابن رشد ضد تحريم الفلسفة: إعادة إنتاج الكندي بطريقة فقهية:

أ. الفلسفة واجبةٌ بالشرع.

ب. علوم المنطق واجبةٌ بالشرع.

ج. النظر في كتب القدماء واجبٌ بالشرع.

د. الفلسفة والمنطق ليسا بدعة.

ه. النهي عن الفلسفة والمنطق غاية الجهل.

و. إن غوى –بسبب الفلسفة– غاوٍ فلشيءٍ لحقها بالعَرَض لا بالذات.

ز. حقيقةٌ واحدةٌ لا حقيقتين: الحقُ لا يضاد الحقَ.

ثانيًا: جدل الظاهر والمؤول:

تمهيد حول إسهام ابن رشد في تاريخ الهرمنيوطيقا العالمي.

أ. ابن حزم الأندلسي نقطة انطلاق ابن رشد والفلسفة التأويلية البرهانية.

ب. الظاهر (ما لا يؤول) والباطن (ما يؤول) في الشرع.

ج. لماذا الشرع فيه الظاهر والباطن؟

د. معنى التأويل.

ه. التأويل اجتهاد.

و. من له الحق في التأويل.

ثالثًا: قوانين التأويل وقواعده الرئيسة:

أ. ما يؤول وما لا يؤول.

ب. أصناف الناس إزاء التأويل: جمهور وجدليون وعلماء.

ج. طرق الشرع في التصديق: برهانية وجدلية وخطابية.

د. لا ينبغي التصريح بالتأويل للجمهور.

ه. قاعدة عامة في التأويل: الخواص والعوام.

و. أخلاقيات التأويل:

  1. التأويل أمانة.
  2. الخطأ في تأويل مبادئ الشرع.
  3. خطأ العلماء في التأويل.

ز. التأويل والمجتمع: من التأويل غير البرهاني نشأت الفرق ففرقت الناس.

ح. الطرق القرآنية: أفضل الطرق لتعليم الناس.

ط. إعجاز الأقاويل الشرعية.

ثم نختتم رحلتنا التأويلية مع ابن رشد بخاتمة: خلاصة تأويلية عامة لفلسفة التأويل الرشدية. وسأحاولُ أنْ أجتهدَ –صديقي القارئ صديقتي القارئة– لتقرأَ معيَ لغةَ ابن رشد الدقيقة المكثفة مبسطةً واضحةً، كما أرجو.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نبدأ رحلتنا التأويلية مع ابن رشد وكتبه “فصل المقال”، “مناهج الأدلة”، “تهافت التهافت”: الفلسفة والتأويل (2): دفاعًا عن الفلسفة ضد مكفّريها تأويلًا

مصادر

[1] سلسلة التراث الفلسفي العربي، مؤلفات ابن رشد (1)، مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف على المشروع، الدكتور محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997م.

[2] سلسلة التراث الفلسفي العربي، مؤلفات ابن رشد (2)، مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف على المشروع، الدكتور محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998م.

[3] سلسلة التراث الفلسفي العربي، مؤلفات ابن رشد (3)، مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف على المشروع، الدكتور محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998م.

اقرأ أيضاً: 

الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء الخامس، الجزء السادس، الجزء السابع

الجزء الثامن، الجزء التاسع، الجزء العاشر،الجزء الحادي عشر، الجزء الثاني عشر، الجزء الثالث عشر

الجزء الرابع عشر، الجزء الخامس عشر، الجزء السادس عشر، الجزء السابع عشر، الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر، الجزء العشرون، الجزء الواحد والعشرون، الجزء الثاني والعشرون، الجزء الثالث والعشرون

الجزء الرابع والعشرون، الجزء الخامس والعشرون، الجزء السادس والعشرون، الجزء السابع والعشرون

الجزء الثامن والعشرون، الجزء التاسع والعشرون، الجزء الثلاثون، الجزء الواحد والثلاثون

الجزء الثاني والثلاثون، الجزء الثالث والثلاثون، الجزء الرابع والثلاثون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج