قضايا وجودية - مقالاتمقالات

العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الخامس والعشرون

المدرسة المشَّائية: (23) ابن باجة وكتابه تدبير المتوحد

فلسفة التوحد والاتصال: حياةٌ يدبرها العقلُ (3)

موضوع التدبير: الأفعال الإنسانية

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة (ج 24) عن مقدمة لفلسفة التوحد والاتصال عند ابن باجة (2): التدبير والتوحد. ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ لفلسفة التوحد والاتصال الباجية: موضوع التدبير: الأفعال الإنسانية.

ثانيًا: الأفعال الإنسانية

إذا كان التدبير معناه “ترتيب أفعال” فيجب فحص أفعال الإنسان وبيان أصنافها ومعرفة ما يصلح منها للتدبير وما لا يصلح منها للتدبير، إذ ليس كل فعل إنساني من أفعال المتوحد يصلح موضوعًا للتدبير. وكل إنسان فإنه يشارك الجماداتِ في أمور، ويشارك الحيوانَ في أمور، ويتميز بأفعال تختص به وحده باعتباره حيوانًا ناطقًا. إذًا الأفعال الإنسانية فيها من أمور الجمادات، وفيها من الحيوان غير الناطق، والحيوان الناطق. فالأفعال الإنسانية ثلاثة أنواع.

أنواع الأفعال الإنسانية

ابن باجة

يفرق ابن باجة بين “الفعل الجمادي”، و”الفعل البهيمي”، و”الفعل الإنساني”، وهذه جميع الأفعال التي توجد للإنسان:

الفعل الجمادي:

يقوم به الإنسانُ باعتبار أنه جسم أي جماد ومادة، والأفعال التي يقوم بها باعتباره جسمًا من الأفعال الاضطرارية: كالهوي (السقوط) مثل الحجر من فوق، فجسم الإنسان يسقط كما يسقط الحجر من أعلى إلى أسفل، وهذا الفعل جمادي اضطراري صادر عن طبيعة الإنسان الجمادية (الفيزيقية)، وهذه الأفعال لا يمكن أن تكون موضوعًا للتدبير.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفعل البهيمي:

كل ما يفعله الإنسانُ باعتبار أنَّ فيه من الحيوان غير الناطق، من الأفعال الغرائزية الحسية: مثل الأكل والشرب والنوم، أو الذي يسبقه انفعال نفساني، مثل الغضب والخوف، وهي أفعال راجعة إلى طبيعة الإنسان الحيوانية، وهي كذلك لا تكون موضوعًا للتدبير.

الفعل الإنساني:

من الأفعال الإرادية الاختيارية: الأفعال التي تصدر عن الإنسان باعتباره كائنًا عاقلًا، “بعد رويَّة (تأنٍ وتدبر) وتفكير”، وكل ما يفعله الإنسان باختيار فهو فعل إنساني، وكل فعل إنساني فهو فعل باختيار، ويعني ابن باجة بالاختيار “الإرادة الكائنة عن رويَّة”. “فالفعل البهيمي يتقدمه في النفس الانفعال النفساني فقط، مثل التشهي أو الغضب أو الخوف وما شاكله، والإنساني ما يتقدمه أمرٌ يوجب عند فاعله الفكرُ، سواء تقدم الفعلَ انفعالٌ نفساني أو أعقب الفكر ذلك، فإذا كان المحرك للإنسان ما أوجبه الفكر من جهة ما أوجبه أو جانس ذلك، سواء كانت الفكرة يقينية أم مظنونة فهو فعل إنساني. فالبهيمي المحرك فيه ما يحدث في النفس البهيمية من الانفعال، والإنساني المحرك فيه ما يوجد في النفس من رأي أو اعتقاد”.

موضوع التدبير: الفعل الإنساني: كل ما يصدر عن العقل

ابن باجة

“إذن تبين ما الفعل الإنساني، وما الفعل البهيمي، وما الفعل الجمادي، فظاهر أنه إنما يجب أنْ تحددَ الغاياتُ في الأفعال الإنسانية فقط”. إذًا الفعل الإنساني وحده الذي يصلح أن يكون موضوعًا للتدبير. إذًا كل ما يصدر عن العقل يكون من الأفعال الإنسانية على الحقيقة، وهي موضوع تدبير المتوحد العاقل الذي يمكنه الاتصال بالصور الروحانية لكي يحقق بذلك الاتصال سعادته المنشودة وخلود نفسه.

وهذا موضوع دردشتنا القادمة بإذن الله: فلسفة التوحد والاتصال الباجية: حياةٌ يدبرُها العقلُ (3): تحقيق السعادة: الاتصال بالصور الروحانية.

اقرأ أيضاً: 

الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الرابع، الجزء الخامس

الجزء السادس، الجزء السابع، الجزء الثامن، الجزء التاسع، الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر، الجزء الثاني عشر، الجزء الثالث عشر

الجزء الرابع عشر ، الجزء الخامس عشر، الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر، الجزء الثامن عشر، الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون، الجزء الواحد والعشرون، الجزء الثاني والعشرون

 الجزء الثالث والعشرون، الجزء الرابع والعشرون

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج