قبل فوات الأوان
لقد استيقظتْ متثاقلة بعد ليلة عصيبة، يبدو أنها لم تنم، اعتادت أن تلتفت إلى الجانب الأيسر من السرير فتجده دائمًا بجوارها، ملاصقًا لها، فيطمئن بالها، وتستريح نفسها، وتهدأ روحها، وكانت هي من تواظب على إيقاظه لصلاة الفجر يوميًا، ثم لا تلبث بعد ذلك في ممارسة طقوسها الروتينية، فتقوم ببث الحركة والحيوية في البيت الذي سكن مع الليل، إذ توقظ بقية الأفراد، كي يذهبوا إلى مدارسهم وجامعاتهم، وتسير من ثمة عجلة الحياة اليومية بتؤدة وسكينة وطمأنينة.
ها هي الآن تتلفت في غرفتها فلا تجد أحدًا، ما هذا؟! لا تكاد تصدق نفسها، تنادي عليه: أين أنت يا حبيبي؟! أين ذهبت؟! هو موجود، نعم، بالتأكيد موجود، لكن أين ذهب الآن؟ ربما ذهب إلى الحمام يتوضأ استعدادًا للصلاة، ربما، نظرت هنالك فوجدت مصباح الحمام منطفئًا، لا بد إذن أنه قد انطلق مسرعًا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر جماعة، لكن، ما هذا؟! أمر غريب! لماذا إذًا لم يوقظها للصلاة كعادته؟! أو لم يخبرها أنه ذاهب إلى الصلاة أصلًا؟! لا، لا، ليس غريبًا، فقد نام غاضبًا منها، فمن الطبيعي ألا يتحدث معها، وألا يوقظها، وأن يذهب إلى المسجد دون إعلامها! نعم من حقه ذلك، من حقه، قالت لنفسها!
ها هي الآن تتذكر ما حدث، لكن لا يهم، سيكون كل شيء على ما يرام، حينما يأتي أولًا، ثم نرتق معًا أي فتق قد حدث بيننا طيلة الفترة الأخيرة، وسنحاول أن نصلح أمورنا، نعم فلم نعد صغارًا على الخصام، وقد طال، وما عاد في العمر متسع!
تعالَ، أين ذهبت؟! تعالَ، لن أغضبك مرة أخرى، نعم، ولن أجعلك تغضب مني ثانية، لماذا ذهبت دون أن توقظني؟! وخرجت دون أن تخبرني، نعم؟! لقد كان لديك كل الحق، كان عليَّ أن أتريث، وأن أصبر عليك أكثر من هذا، ما كان لي أن أتركك تنام مغضبًا إلى هذه الدرجة، أنت طيب القلب، نعم طيب جدًا، لقد كان أقصى ما تفعله معي حال غضبك أن ترفع صوتك في وجهي، وفي وجوه الأولاد، وتصرخ فيهم إذا ما حدث أمر خاطئ من وجهة نظرك، أو إذا أردت أن تسير الأمور على ما تريد أنت، لكن ما المشكلة في ذلك؟! هل قامت الدنيا ولم تقعد؟! لم يكن لديَّ حق فيما فعلت معك أمس، وقبل ذلك، نعم، كان عليَّ أن أتمهل قبل أن أتناقش معك، وأقلب الطاولة عليك إلى هذي الدرجة السخيفة، فأنت رب البيت، وعليك عبء كبير، يكفي أنك تتعرض إلى مشكلات وضغوط لا حصر لها، في العمل، والحياة، نعم، أنت تتعب، وتكد، وتعمل ليل نهار، كي توفر لنا ما نرومه، وما نحتاج إليه، والمعيشة أصبحت في غاية الصعوبة، وأنت لا تكل، ولا تمل في أن توفر لنا كل شيء قدر طاقتك، ومقدار وسعك واستطاعتك، حتى إنك لا تكاد تفكر في نفسك إلا لِمامًا، كيف لي بعد كل ذلك أن أغضبك؟! سحقًا لي، وألف سحق! كيف هُنْتَ عليَّ حتى وصل الأمر أن أتركك تنام حزينًا دون أن أراضيك؟! ها أنت الآن تخرج دون أن تخبرني عن وجهتك، يا الله، ما هذا الذي فعلت؟! ما هذا الذي فعلت؟! سامحني، أرجوك، سامحني، ولن أعود لمثلها أبدًا!
نعم حينما تعود من الخارج سأعترف بكل شيء، سأقول لك إنك أهم شيء في حياتي، إنك ركني الركين، إنك حصني، وأماني، وملجئي، بل أنت حبي، نعم حبي الوحيد، وسأعتذر إليك عما بدر مني أمس، وقبل أمس، وفيما مضى، وفيما سيأتي، بل سأخبرك أنني لن أغضبك مرة أخرى مهما فعلتَ معي، ومهما رفعتَ صوتك عليَّ، فلن أفعل أي شيء، ولن أنبس، نعم سأتركك حتى تهدأ، ثم أتكلم معك بهدوء، وسينتهي الأمر، نعم سأفعل ذلك، هذا وعد مني، سأغير استراتيجيتي في مناقشتي، وطريقة حواري معك، لكن المهم أين أنت الآن؟! نعم أين أنت؟! في الصلاة؟! نعم في الصلاة، سأنتظرك، نعم سأنتظرك، سأنتظرك، ما هذا؟! رباه! إن الوقت يمر ببطء، وببطء شديد، فأين أنت؟! تعالَ، تعالَ، تعالَ أرجوك!
ها أنذا في انتظارك، نعم في انتظارك، تعالَ، هيا، تعالَ بسرعة، أصدقك القول، لن أغضبك مرة أخرى، كيف لي أن أرفع صوتي في حضرتك؟! كيف سولت لي نفسي ذلك؟! كيف تخيلت أنني أهم منك؟! إذا كنتُ أنا من يراعي الأولاد في البيت، ويتحمل كل مشكلاتهم، ودروسهم، فأنت تتحمل العبء الأكبر في قِوامة البيت، والبحث عن الحياة، نعم الحياة، فلا حياة لنا من دونك، ولا قيمة لنا من غيرك، صدقني سأبادر أنا، وأعتذر إليك، سأُقبِّل جبهتك ويديك، وإن أردت قدميك، نعم ما إن تأتي من الصلاة سأعتذر، وأقدم لك فروض الطاعة والولاء، وأطلب منك المسامحة والغفران على ما كان، ولتفعل ما تفعل، فأنا على استعداد لأي رد فعل منك، حتى وإن رفعت صوتك في وجهي مرة أخرى فسأسكت، ريثما تقول ما تريد، وسأراعي كم أنت تعاني الكثير والكثير من أجلي، ومن أجل الأولاد، حتى ننعم بحياة كريمة قدر الإمكان، نعم، سأسامحك، حتى وإن قلت لي مازحًا أو حتى جادًا إن الطعام أو ترتيب البيت في هذي المرة أو تلك، ليس على ما يرام، بل ينقصه شيء، نعم، لن أتضايق، ما المشكلة في ذلك حتى أقيم الدنيا ولا أقعدها على هذي التفاهات؟! سبحان الله! يبدو أنني كنت أعمل من الحبة قبة ،كما يقولون، لكنني تعلمت، ولن أعود إلى ذلك مرة أخرى، ثم ما المشكلة في أنك وبعد يوم طويل من العمل الشاق تمسك هاتفك وتقلب في وسائل التواصل بعض الوقت؟! تصفي ذهنك، أو حتى تُروِّح عن نفسك، كم كنت ساذجة! فما الذي يجعلني أتأفف من ذلك!؟ بل سأجعلك تخرج بحرية مع أصحابك إن أردت، أعترف أنني كنت مخطئة في كل هذي الأمور، أعترف، أعترف، لماذا كنت أُضيِّق عليك إلى هذي الدرجة السخيفة!
نظرتْ يمنة ويسرة، كالذي أصابته لوثة في عقله، لا تكاد تهدأ، تدور عيناها في كل مكان كالمغشي عليه، وها هي تنظر في كل صوب واتجاه، حسنًا، قالت لنفسها، سأجهز الإفطار ريثما يرجع من صلاته، نعم هو يحب الجبن والزيتون والبيض بالسمن البلدي، نعم، ها أنا في انتظارك يا سيدي، نعم سيدي، وتاج رأسي، تعالَ، كل شيء سيكون على ما يرام، وصدقني، فلن أغضبك مرة أخرى، هيا تعالَ، لن أغضبك، وسأسامحك، وأنا أعلم أيضًا أنك ستسامحني، فأنت طيب القلب، نقي السريرة، ستعفو عني، وتغفر لي، لأنك، لأنك تحبني، نعم تحبني.
ثم تتلفت يمينًا وشمالًا، إلى أن قادتها قدماها إلى حيث كان يقرأ بعض الكتب المفضلة لديه، أمر غريب! فلا زالت الرواية التي كان يقرؤها على مكتبه، لكن ما هذا؟! يبدو أنه كان يقرأ في الفصل الأخير منها، أو أنه قد انتهى منه بالفعل، ربما، لا، بل هذا هو المؤكد، وإلا فإن بعضًا من إشارات قلمه الفسفوري تبدو واضحة فيها، شيء عجيب، ما هذا هل نسي نظارته الطبية أيضًا، ولم يأخذها معه في أثناء الصلاة؟! وكيف سيتسنى له أن يسير دونها، وقد اعتاد عليها في الآونة الأخيرة، فهل نسيها؟! كيف ينسى نظارته الطبية بهذه السهولة، وهو الذي لم يكن يتحرك قيد أنملة إلا بها؟! لا بد إذًا أنه سيعود مسرعًا من الصلاة من أجلها!
لفت نظرها أيضًا أن جلبابه الذي اعتاد أن يرتديه للصلاة لا زال موجودًا في مكانه، فهل نزل إلى الصلاة بملابس النوم؟! أمر غريب! لماذا غيَّر نظامه اليوم في كل شيء؟! يبدو أن غضبه مني جعله لا يركز إلى هذه الدرجة، فخرج لا يلوي على شيء!
سبحان الله! إنها تشعر بشيء غريب في هذا الصباح الكئيب، شيء لا تعرف كنهه، وإن كانت تحس أن قلبها منقبض، وصدرها يرتجف! فيبدو أن شيئًا جللًا سيحدث، أو قد حدث، نعم، فكل الأمور تسير بصورة غير طبيعية، لكن ما الذي يستدعي القلق على زوجها إلى هذه الدرجة؟ إنها نصف ساعة فقط قد مرت منذ الأذان، وسيعود من صلاة الفجر، لا محالة، لكن ما يقلقها أنها لم تره منذ أن أغضبته أمس، ما جعله ينام على حافة السرير، وقد أدار لها ظهره، لم يقل لها لأول مرة في حياته: تصبحين على خير، نعم، كانت هذه هي المرة الأولى التي لم يقل لها ذلك منذ خمسة وعشرين عامًا، وكان هذا أمرًا بدهيًا، إذ إن ثمة ما عكر صفوه، فضاق صدره، وغيَّر مزاجه، يا الله، كم كنت مخطئة حينما تركته ينام، وهو مني غاضب، وعليَّ عاتب، قالت لنفسها!
رباه! ما الذي حدث؟! لقد مر أكثر من ساعة بعد صلاة الفجر ولم يعد، فما الأمر؟! بل إن الشمس كادت تشرق معلنة عن ميلاد يوم جديد، لا، لا، لقد بدأت توسوس لها نفسها بأمر ما، فهل أصابه مكروه؟! ثم رجعت فطمأنت نفسها، واستغفرت، وحوقلت، وطردت الشيطان الرجيم، الذي يوسوس لها، فما الذي يمكن أن يصيبه، وهو ذاهب إلى صلاة الفجر، يقضي حق الله؟! سيرجع، نعم، سيرجع، سيما وأن المسجد قريب جدًا من المنزل، مئتا متر فقط هي ما تفصل بينهما، لقد تذكرت الآن، ربما جلس عقب الصلاة كي يقرأ القرآن والأوراد حتى شروق الشمس، وسيصلي الضحى بعدها ثم يأتي، خصوصًا أن اليوم هو الجمعة، والأجر فيه مضاعف، فلربما مكث بعض الوقت لقراءة سورة الكهف، لقد اعتاد على ذلك، ويبدو أنه فضَّل قراءتها في المسجد هذه الجمعة!
لا بد إذًا أن تُشْغِلَ نفسها ريثما يعود بالسلامة، هكذا قالت، نظرت إلى الطعام الذي جهزته، ثم غطته بشيء محكم، ثم التفتت فإذا بها تجد مصحفه في المكان الذي اعتاد الجلوس فيه، وها هي رائحته لا تزال عالقة فيه! أمسكت به، لا يزال أثر القراءة واضحًا، وخيط الوِرْدِ اليومي على سورة الجاثية، يبدو أنه قد أتمها، وإن لم يبدأ بسورة الأحقاف، قبَّلت المصحف بهدوء، ثم وضعته في مكانه، نعم، فهو لا يحب العبث في مصحفه مطلقًا!
بدأ القلق يتصاعد منها شيئًا فشيئًا، تحاول أن تكبح جماحه، غير أنها لم تستطع، لكن لا بد أن تتماسك أكثر من ذلك، فليس ثمة داعٍ إلى هذا القلق المفرط، والخوف الشديد، إنه يصلي الفجر، ويقرأ الأوراد، وسيصلي الضحى، ويعود، نعم، سيعود، حينها ستخبره أنه يتحتم عليهما أن يتركا هذا الجو الروتيني الخانق، ويذهبا إلى أي مكان في إجازة سريعة، وحدهما فقط، هو وهي، بعيدًا عن مشاكل العمل والأولاد، والحياة وضغوطات المعيشة، نعم، يذهبان إلى الإسكندرية خصوصًا، حتى وإن كان الوقت شتاء، في شهر فبراير، لكن ما أحلى الإسكندرية طول العام!
لقد بدأت الآن تتذكر كل شيء، خمس وعشرون عامًا منذ أن تزوجا، مرا خلالها بفترات عصيبة، بيد أنهما استطاعا أن يتجاوزا معظم منغصات الحياة، وها هي السفينة تسير، ربما تأتي بعض العواصف من حين لآخر، فتؤثر على سيرها، وتعيقها في بعض الأحيان، لكنها استطاعت أن تمر بسلام، ولا بد أنها ستصل إلى مرفأ الأمان في نهاية الأمر، نعم ستصل مهما حدث.
شيء غريب، كادت الشمس تشرق، ولم يعد حتى الآن! إن كل ما يحزنها الآن أنه سيعود وهو لا يزال غاضبًا منها وعليها، لكنها قد عزمت على مصالحته، وطلب الغفران منه، فلا مشكلة إذن، ستتنتظره عند الباب، وعند دخوله ستعتذر إليه، نعم، هكذا ستفعل، بل سَتُقَبِّلُهُ، نعم تُقَبِّلُهُ على جبهته، بل وفي فمه، وما العيب في ذلك؟! فالمهم أن يأتي، وستتولى الأمر بذكائها، وسينتهي كل شيء بعد دقائق معدودات من دخوله، هي تعرف جيدًا نقاط ضعفه، ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة، سرعان ما تلاشت ولمَّا تكتمل!
ما هذا التأخير؟! لقد زاد الأمر عن حدِّهِ، لا بد أن تتصل به، وتسأله عن سبب التأخير، وتستعجله في القدوم، فلم تعد تحتمل أكثر من ذلك، وها هي الآن تبحث عن هاتفها كي تتصل به، نظرت فإذا بهاتفه أمامها، إذن فلم يأخذه معه، ومن البدهي ألا يأخذه في صلاة الفجر، فلم يعتد ذلك من قبل، قالت في نفسها، فازداد قلقلها، وتراءى أسفها.
كادت ترتدي عباءتها السوداء، حدثت نفسها أن تذهب إليه في المسجد، ما المشكلة؟! المسجد قريب، خمس دقائق وتطمئن عليه، وينتهي هذا الطوفان المزلزل، فما عادت تحتمل الانتظار أكثر من ذلك، ستذهب وتحضره بنفسها، وتعتذر إليه في الطريق، بيد أنها سرعان ما طردت هذي الفكرة من ذهنها، لأنه بطبيعة الحال سيغضب منها إن فعلت ذلك، وسيقلب الدنيا رأسًا على عقب، فالوقت غير ملائم مطلقًا لخروجها من المنزل في هذه الساعة المبكرة، المبكرة جدًا، ناهيك بأنه يغار عليها، يغار جدًا!
ليس أمامها إلا أن توقظ ابنها أشرف كي يصلي الفجر، ثم يذهب بنفسه ويحضر والده من المسجد، وبعدها يتناول الجميع طعام الإفطار، والحمد لله، اليوم إجازة عند الجميع، سيكون يومًا مميزًا، حدَّثت نفسها، سنخرج اليوم جميعًا، ونتناول وجبة الغداء في الهواء الطلق، ما أجمل شمس فبراير مع نسمة هواء بارد منعش، يُنَقِّي الروح، ويُسْعِدُ الفؤاد!
بالكاد استيقظ أشرف على وقع نداءات متكررة من والدته، قام متأففًا، يبدو أنه لم ينم إلا قليلًا، دائمًا ما تقول له: الله في عونك يا بني، خصوصًا أنه في السنة النهائية في الجامعة، ويحاول دائمًا أن يحافظ على تقديره وترتيبه المتقدم الذي تعب حتى وصل إليه بفضل مجهوده ومثابرته، يأمل أن يكون معيدًا في الجامعة، يذاكر ليل نهار، لا يكاد ينام إلا قليلًا، وها هو يقوم منهكًا من سريره، وقد بدا عليه الأرق!
“يا أشرف قوم بسرعة شوف أبوك إتأخر ليه لحد دلوقت، بَقَالُهْ أكثر من ساعة في الجامع، وآدي صلاة الفجر خِلِصِتْ من بدري، وأبوك لحد دلوقت مجاش، إيه اللي حصل؟ إتأخر أوي أوي، والشمس كمان طلعت، معقول كل ده تأخير! روح بسرعة شوف أبوك إتأخر ليه، وبالمرة ممكن تجيبوا معاكم طعمية سخنة، نحطها جنب الفطار اللي أنا جهزته، بسرعة يا واد، إنت واقف كده ليه؟ يا واد خلص، يلا بسرعة، إنت دايما كده كسول، يلا رُوح، ولَّا أروح له أنا! واللي يحصل يحصل، والله عيال آخر زمن، وعلى فكرة أول ما ييجي أبوك أوعى حد فيكم أنت ولا إخواتك تقلبوا دماغه في كلام فاضي، عاوزين، وعاوزين، وعاوزين، فاهم يا واد إنت وهوه؟ ولا أقول تاني؟ المهم روح بسرعة بقى، وهاته من الجامع، يلا، يلا، إنت واقف كده ليه؟! يلا يا ابني بقى الله يهديك، يلا، يلا، أبوكم وحشني قوي!”.
تقول ذلك كله وأشرف ساكت لا يتكلم، صامت لا ينبس، يبدو أنه قد ذهل من كلامها، يحاول أن يتماسك قدر استطاعته، لكنه في نهاية الأمر، ومع وقع كلماتها لم يتحمل، فانهار باكيًا، وقد اغرورقت عيناه بالدموع.
“مالك يا واد، بتبكي ليه، الله؟! في إيه؟ اتكلم! يا واد اتكلم، مالك يا واد؟! إيه اللي جرى لك؟! إنت غريب أوي أوي، أنا قلت حاجة تخليك تبكي يا واد؟ في إيه يا واد، مالك؟! بقول لك روح شوف أبوك في الجامع، ألاقيك عمَّال تبكي كده، مين مزعلك؟! قول يا واد، مين مزعلك؟! فيه إيه؟! الله يهديك، روح شوف أبوك بقى، روح، يلا روح، أبوك إتأخر أوي أوي، إتأخر أوي أوي، أبوك وحشني، وحشني أوي، وأنا نفسي يرجع بسرعة علشان، علشان آخده في حضني، أيوه في حضني، وأعتذر له، أيوه أعتذر له، وأقول له يسامحني، يسامحني على كل حاحة عملتها معاه، على فكرة أنا ماكنتش أقصد أزعله خالص، لكن برضه أنا كنت غلطانة، فعلًا كنت غلطانة، وهوه كان صح في كل حاجة، أيوه، كان صح، روح نادي له بقى، وأنا مش هزعله مرة تانية، والله ما هزعله تاني، والله والله ما هزعله، بس هو يرجع، يرجع بس، يرجع بسرعة، أصله إتأخر أوي أوي أوي، وأنا مستنياه من زمان، روح يا واد، روح بقى، روح نادي له، وبعدين خُد يا واد، إنت ليه بتبكي كده، ليه، ليه، قول، اتكلم، بتبكي ليه، ليه، ليه، ليه؟!”.
فإذا به يعلو صوته، ويجهش بالبكاء، ثم يحتضن أمه، ويقبلها، ويربت على كتفها، ويهدهدها، بينما هي وبعين زائغة قد غابت عن الوعي!
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا