قضايا شبابية - مقالاتمقالات

حفلات التحرر بالتخرج

توقفت كثيرًا أمام الحفلات ومظاهر فرحة طلاب السنوات النهائية في الجامعات المصرية، وخصوصا الكليات النظرية، بانتهاء الامتحانات وإنهاء مسيرة التعليم انتظارًا للنجاح، وشعرت أن بعض مظاهر فرحتهم تلك مبالغ فيها، وسيطرت على رأسي بعض التساؤلات الحائرة ومنها:

  • لماذا كل هذه الفرحة؟!
  • لماذا التأكيد بأن مسيرتهم التعليمية قد انتهت إلى غير رجعة؟!
  • لماذا بعضهم ناقم كل النقمة على كليته التي تخرج فيها رغم فرحته المبالغ فيها؟!
  • لماذا لم يتحدث أحد عن صورة للمستقبل واضحة المعالم تاركًا الأمر للقدر والظروف؟!
  • لماذا الاتفاق على أنها صفحات مطوية وسنوات عابرة في مسيرة الحياة؟!

أسباب المبالغة في حفلات التخرج

هنا دعني أقول لك مفندًا الإجابة عن تلك التساؤلات الحائرة على الترتيب.

أولًا: التحرر من قيود الدراسة

كل هذه الفرحة لأنها إحساس بالتحرر من قيود الدراسة، والتزامات المواعيد، وضوابط التكليفات، وإرهاق المذاكرة الذهني والنفسي والبدني، وكذلك الإرهاق المالي والعبء الكبير على أسرهم، التي تتنظر بصبر هذا اليوم؛ يوم الشهادة الكبيرة، وهو من أيام العمر مثل يوم الزواج ويوم الحج.

ثانيًا: فقدان الهدف من التعليم

التأكيد على أن مسيرتهم التعليمية قد انتهت إلى غير رجعة راجع إلى فقدان الهدف من التعليم، فكثير منهم دخل كليات لا علاقة له بها، ولم تكن في بؤر اهتماماتهم، فإذا بهم يواجهون القدر مضطربي الخطى مشتتي الرؤى، خارت قواهم عندما وصلت مسيرتهم التعليمية إلى محطة النهاية، فاستسلموا للنهاية ورضوا بها ورضخوا لها وفق مبدأ مجبر أخاك لا بطل!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثالثًا: مرحلة مؤلمة

19 2019 637062385055014310 501 - حفلات التحرر بالتخرج

بعضهم ناقم كل النقمة على كليته التي تخرج فيها رغم فرحته المبالغ فيها، لأنه يعتبر تلك الكلية مرحلة مؤلمة في حياته عانى فيها بعضًا من صور الاضطهاد، بعضًا من تعنت المتشددين في التدريس، بعضًا من الإخفاقات المتكررة،

بعضًا من المواقف المؤسفة والأحداث الحزينة والذكريات السوداء المحبطة، بعضًا من قصص الحب البريئة الساذجة المطرزة بأوهام الخيال، فإذا بقطار الواقع يدهسها بعجلاته مخلفا في بعض النفوس حسرة مقترنة بالزمان والمكان! كثيرة هي دواعي النقمة وكل يغني حزينا على ليلاه!

اقرأ أيضاً:

هويتنا التعليمية العربية والمشاهد العبثية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

صناعة النماذج مثلي الأعلى

الرسوب الدراسي ليس نهاية الطريق

رابعًا: فجوة مخرجات التعليم وسوق العمل

لم يتحدث أحد عن صورة للمستقبل واضحة المعالم تاركًا الأمر للقدر والظروف، لأن صورة المستقبل التعليمي غير واضحة المعالم، فنظام التعليم غائب عن الارتباط بسوق العمل، محدش عارف هنشتغل إيه بالشهادات دي!

أيضًا فلسفة الدراسات العليا قائمة على مبدأ منح الدرجات العلمية لكل من هب ودب، والآن غدت مرهقة ماليًا ولا طائل من ورائها إلا الحصول على ألقاب ماجستير ودكتوراه، نتأنتك بيها على خلق الله،

وكثير جدا من حملة هذه الدرجات أبيض يا ورد، وعقولهم فارغة، وللأسف ترى بعضهم في مناصب ووظائف نالوها وفق تلك الشهادات وهم لصوص محترفون عشاق للنصب والاحتيال!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

خامسًا: سنوات دون فائدة

الاتفاق على أنها صفحات مطوية وسنوات عابرة في مسيرة الحياة، لأنها سنوات مرت دون جدوى، سنوات مكبلة بالغموض والضبابية وفقدان الرؤية والإحساس بالتشتت.

ماذا بعد التخرج من الجامعة؟

5e98cd0c7a22210014fc554e.9b2c3888b0b356c282286d63 1024x563 - حفلات التحرر بالتخرجيبقى التساؤل الحائر الأخير: وماذا بعد؟! فرحة التخرج لم تعد فرحة بإنهاء مسيرة التعليم، بل فرحة للتحرر من قيود التعليم.

أية فرحة تلك لفتاة جامعية متعلمة تفرح بالتخرج استعدادًا للزواج من شاب أمّيّ أو أقل منها في التعليم، يذلها بأمواله ويكسر عزة نفسها بنقصه واستغلال ظروفها، فتتحول المسكينة المتعلمة إلى خادمة ذليلة سجينة منزل زوج معقد نفسيًا، سلبها متعة الحياة وأمل الوجود؟!

أية فرحة تلك لشباب حجزوا مقاعدهم مسجلة بأسمائهم في المقاهي عشقًا للبطالة، يتولى أولياء أمورهم مسؤولية الإنفاق عليهم بعد التخرج، وتراهم فريسة سهلة للعنف والتطرف والإرهاب والانتحار؟!

أية فرحة تلك لمنظومة تعليمية غير واضحة المعالم تستنزف أجمل سنوات العمر دون طائل؟ حتى غدت صفحات مطوية عابرة مؤلمة في سجل الزمان الأسود المؤلم!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ليتنا ندرك خطورة الأمر، ليتنا نعيد الأمل للتعليم الجامعي المصري وفق رؤية عصرية جديدة لجعل حفلات الطلاب تلك حفلات للتخرج، وليست حفلات للتحرر.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب

مقالات ذات صلة