مقالات

أفيون العولمة

الإنسان السوي هو الذي يعيش بطبيعته وسجيته من غير تكلُّف أو تصنُّع، يتعامل بجمال روحه وصدق معاملاته، بعيدًا عن خُبث النية وسوء الطويّة، أو ارتكاب أمر من شأنه إيذاء نفسه ومجتمعه.

يعتاد الفرد على سلوك وعادات يومية يمارسها بصورة منتظمة، مثل: المشي والجلوس والقراءة والكتابة والنوم واليقظة، هذه عادات لا بأس بها، فلكل شخص طقوسه وعالمه الخاص به.

أحيانًا تنتقل بعض العادات إلى سلوك منبوذ على مستوى الفرد والمجتمع، مثل: الإدمان وعمل الأفعال الشائنة التي يتوافق الأسوياء على قُبحها، تمامًا كما يُدمن إنسان العصر الحديث رواق العولمة، حُسنها وقبيحها غثها وسمينها.

نجد أنّ العادات تتسلّل بين الأصدقاء على سبيل الإهداء أو قَصْد الإفساد، وقد تكون بين الدول لإفساد شبابها وطمس هويتهم وتأخرهم والسيطرة على عقولهم وضياعهم.

حروب الأفيون

هذا بالضبط ما عُرف في حقبة تاريخية ما بـ”حرب الأفيون“، تلك الحرب الشعواء المُدمّرة التي خاضتها دول الغرب، وعلى رأسها إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، ضد جمهورية الصين الشعبية، فأنتجت حرب الأفيون الأولى (1840- 1842)، والثانية (1856- 1860).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنّ الدول تبتكر أساليب لتدمير الدول الأخرى، منها إدخال المواد المخدرة المسكرة، عن طريق الحدود البرية أو البحرية أو الجوية، وقد تنجح في تأجيج المعارضة الداخلية من المنتفعين أصحاب المصالح المؤثرة والأبواق العالية النابحة، الذين لا هَمّ لهم إلا مصلحتهم الخاصة، وضربهم عرض الحائط المصلحة العامة لدولتهم.

كيف احتلت بريطانيا الصين؟

حروب الأفيون

إنّ الناظر إلى الصين اليوم يجدها مختلفة بالكليّة عن صين الأمس، فقد تعلّمت من دروس الماضي، ففي تلك الفترة من محاولة شرعنة الدول الكبرى دخول وبيع وشراء الأفيون تراجعت قوة الصين لدرجة أنها أصبحت معروفة بـ”رجل آسيا المريض”.

بالفعل تمت تجارة الأفيون في الصين واستهلاكه بسرعة فائقة، فقد كان معظم مُدخنيه من عائلات المسؤولين الكبار، فانتشرت حتى بين الرهبان البوذيين والكهنة التاويين، لدرجة أن أوكار الأفيون كانت منتشرة في كل مكان.

لقد احتكرت شركة الهند الشرقية البريطانية التجارة مع الصين، مما أدى إلى تحولات وتغيرات في العلاقات بين البلدين، فقد زُرع الأفيون في مناطق الهند الشمالية والوسطى، ومن ثم التصدير للصين على هيئة شحنات.

في ملمح آخر بدلًا من الحفاظ على الحدود وجعلها سدًا منيعًا أمام هجمات التهريب التدميرية ودخول تلك المواد، تم إغراء الفاسدين القائمين على حماية الثغور بالمال والمنصب والحماية.

سياسات الدول الكبرى

إنّ سياسة الدول الكبرى دائمًا هو الكيل بمكياليْن، لنصرة مصالحها وتحصين مكانتها وعدم السماح لغيرها من الشعوب الفقيرة الضعيفة بالصلاح والتقدم، بل تعمل جاهدة بأساليب حثيثة وخسيسة على زعزعة استقرارها واحتكار مواردها واستغلالها لصالحها.

الدول الضعيفة أو المُستضعفة –إن صحّ التعبير– ليست لها أنياب ومخالب، ولهذا تأتي الدول الكبرى عليها بالإجحاف في القرارات والتشريعات والمعاهدات غير المتكافئة، وإثارة الرأي العام باستخدام الضغط والهيمنة والعولمة المستحدثة، وتلفيق التُّهم للوطنيين والتشكيك في إخلاصهم، وقد يتعدى الأمر لنصب الفِخاخ باضطهادهم والتخلص منهم.

الصين من حروب الأفيون إلى إعلان الدولة

حروب الأفيونإنّ ضبط الأمن الداخلي، وتأمين الحدود، والإخلاص في العمل وبث روح الولاء والانتماء، من الأمور المهمة لحماية الدولة من المغرضين الذين يعيثون فيها فسادًا ولا يهمهم تقدمها، ومن هنا تأتي أهمية بناء الفرد بناءً شاملًا متكاملًا جسديًا ونفسيًا.

لقد عمل المخلصون دائمًا على حماية بلدهم الصين بمطاردة المهرّبين وتفكيك الشبكات وتدمير الأفيون، والأخذ بتدابير صارمة لحظره على الرغم من الضغوط الكبيرة على الحكومات الصينية المتعاقبة وحكّام الأقاليم والمقاومين، فلم تعدم الصين أبناءها الوطنيين الذين يحافظون عليها ويدافعون عنها حتى الموت.

الصين اليوم في عصر العولمة استثمرت في بناء شبابها، وركّزت على تقوية المجالات المختلفة، الصحية والتعليمية والاقتصادية والتجارية إلخ، وحسب ما رأيت بعيني وسمعتُ فلا تهاون مع المدمنين أو الذين يحملون السلاح بطريقة غير شرعية، فالقوانين الصارمة العادلة على الجميع تحمي المجتمع من الدخلاء في الخارج وضعاف النفوس في الداخل.

مقالات ذات صلة:

نوع جديد من المخدرات

قضية العولمة كقضية عالمية تواجه شباب العالم 

الاضطرابات النفسية والإدمان

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر