هذه القصة المزورة تحب أن ترددها النساء
هذه القصة أسمعها بين الحين والآخر، وحين أبحث وراء التفاصيل أكتشف أنها كذب أو مبالغة أو مجرد جزء من قصة أكبر!
القصة أن فلانة تعمل لتنفق على بيتها وزوجها وأولادها، بينما زوجها عاطل لا يريد العمل، بل ويأخذ نقودها وتعبها لينفقه على المقهى والسجائر، وأحيانًا يضربها، رجالة زبالة، والست شقيانة!
كم مرة سمعت أنت هذه القصة؟ تحكيها زوجتك بعد أن سمعتها من زوجة البواب أثناء تنظيف البيت، أو من العاملة البسيطة في الشغل، أو من بائعة غلبانة، أو تسمعها على مواقع التواصل الاجتماعي كل شوية.
قصة مؤثرة تحكي عن الست الجدعة المسكينة الغلبانة، وزوجها العاطل الندل!
طبعا قصة تثير التعاطف، وعادة تكون نتيجة القصة هو بعض البقشيش أو بضعة جنيهات زيادة، تعطيها زوجتك للست المسكينة اللي جوزها الندل يستغلها، ويأخذ فلوسها، وهو نطع كسول قاعد في البيت!
لكن مشكلة الناس اللي زيي إنهم مش بياخدوا الكلام كده ويرددوه قبل أن يمر على عقلهم، ويسأل كيف؟ ولماذا؟!
الزوج العاطل مشكلة تهدد الكيان الأسري
كيف؟ ولماذا؟
- في مجتمعنا الشرقي، وفي الأحياء الشعبية، وفي العائلات، والقرى، وهذه هي الأماكن التي تأتي منها هذه الست الغلبانة، الرجل هو المسؤول، وعار وفضيحة للرجل أن مراته تصرف عليه وهو عاطل، سوف يكون عارًا في العائلة والحي والقرية وبين الجيران!
يعني الفكرة نفسها غير مقبولة، بدليل أن كل واحد أو واحدة تسمع القصة دي تحتقر هذا الرجل وتتعاطف مع المرأة.
- لو الست شايفة إنه راجل ندل وعاطل، لماذا تزوجته؟ ما الذي أعجبها في هذا الرجل لسنوات؟
لماذا تضيع أموالها عليه اليوم طالما أنه بهذه البشاعة؟! ولماذا لا تطلب الطلاق أو الخلع، وتعيش مع أولادها تنفق عليهم بدلًا من ضياع المال على زوج ندل نطع يضيع مال زوجته على المقهى مع أصدقائه؟
خاصة أن الطلاق أصبح أسهل من الزواج في بلادنا! والزوجة دائمًا تكسب في معركة الطلاق! وستجد ألف جمعية ومؤسسة تساعدها في هدم بيتها!
- كل الأبحاث العلمية، حتى في دول الغرب، تقول أن الأسرة التي تكسب الزوجة فيها دخلًا بينما يكون الرجل عاطلًا لفترة أكثر من سنة ترتفع فيها نسبة الطلاق بدرجة كبيرة جدًا جدًا.
ربما بسبب فقدان احترام الزوجة لزوجها، أو تزايد الخلافات، لأنه أمر يختلف عن الطبيعة التي خلق الله الناس عليها.
اقرأ أيضاً: أتجوز وأقعد في البيت ولا أشتغل وأبقى اندبندنت؟
الزوج العاطل عن العمل
بالتالي قررت في آخر مرتين سمعت فيهما هذه القصة أن أطلب مقابلة هذه السيدة، السيدة الغلبانة العاملة زوجة الرجل الندل العاطل!
طبعًا في البداية سمعت نفس الحكاية بنفس التفاصيل المؤثرة، عن فلوسها التي يأخذها الزوج الندل، وعن أنه عاطل كسول، ويرفض العمل، وعن أنه يضربها لو لم تعطه المال!
ثم دخلنا في التفاصيل..
اتضح أن الزوج عادة صنايعي يعمل باليومية، نجار، فران، خباز، سباك، إلخ.
أيضًا اتضح أن الرجل يعمل في المواسم، بينما تمر أيام يكون الحال متوقفًا، سواء استغنت عنه الشركة أو طرده صاحب المحل، إلخ.
في هذه الفترة تعيش الأسرة على مدخرات الزوج، وحين تنفد المدخرات، ويفشل في الحصول على عمل نتيجة الركود أو انتشار البطالة، يضطر الزوج إلى الاعتماد على دخل زوجته البسيط مؤقتًا إلى أن يجد عملًا.
كذلك اتضح أن هذا الرجل الندل يجلس على المقهى، ليس لأن المقهى ممتع وجميل! لكن لأن في مصر المقاهي هي الأماكن التي يجد العمال فيها فرص العمل، حيث يحضر المقاول أو صاحب العمل بحثًا عن عمال!
مشاكل أصحاب المهن الحرة
اتضح أن الرجل الذي يتقن مهنة نجار أو سباك أو مبلط أو محارة أو بناء، إلخ، لا يمكن ومن غير المنطقي أن تقول له: طالما لم تجد هذا الشهر عملًا في تخصصك، فيمكنك العمل في تنظيف المنازل مثلًا عند مدام فلانة!
أولًا: لأن مدام فلانة لا تقبل رجالًا لتنظيف بيتها.
ثانيًا: لأن الرجل لا يتقن هذه المهن، ولن يستطيع تغيير حرفته وتخصصه وصنعته كل بضعة أشهر، والتدريب على مهنة مختلفة كل بضعة أسابيع!
ثالثًا: لأن دخل ومرتبات هذه المهن البسيطة لا يكفي لفتح بيت باستمرار، لذلك تقبل به النساء الغلابة ولكن لا يمكن لرجل أن يفتح بيتًا بهذا الدخل الضعيف.
المستمع العاقل
الخلاصة، اتضح أن هذه القصة المزورة تحب أن ترددها النساء الغلابة لأنها تستدر عطف الهوانم، وبالتالي تأخذ بقشيشًا أكبر، وتحب الهوانم ترديدها كنوع من الفضفضة عن العقد النفسية، والحديث عن الرجالة الوحشين الأشرار!
لكن تفاصيل القصة تكشف أنها غير منطقية في مجتمعنا، وغير حقيقية في أغلب الأحيان، ووجود بعض الحالات الشاذة التي تكون فيها هذه القصة حقيقية لا يجعلنا نتحدث عن أنها ظاهرة أو مشكلة اجتماعية!
إذا كان المتحدث مجنونًا، المفروض أن يكون المستمع عاقلًا!
مقالات ذات صلة:
التكامل بين الزوجين وآثاره على استقرار الأسرة المصرية
أسباب المشاكل الزوجية وكيفية حلها
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا