مقالات

سباعية التناقض .. فلسفة حياة

المصري مشهور بخفة دمه وقدرته على احتواء أحزانه في جملة، أو في موقف، أو في حوار، يحمل في طياته بعض الفكاهة والسرور العرضي المؤقت الذي يخفف وطأة الحزن الذي أصابه، أو يبرر تناقض القيم الذي يفسد نقاء حياته تحت مسمى “الفهلوة والشطارة” أحيانا،

ومن عبارات هذا الشعب نستشف بعضا من سمات تميز وجوده وتراكم خبراته وموقفه الوجودي من القضايا والأحداث التي تمر به كل يوم، لنبرز مفهوم التناقض الذي يضرب جذور الهوية الوجودية لهذا الشعب المهدد بالخطر فيما يتعلق بنسقه الأخلاقي.

ونحن اليوم على موعد مع تحليل بعض من عبارات المصريين الدارجة المتداولة بينهم على نطاق واسع، لنستشف ملامح عبقرية هذا الشعب في توظيف اللغة تعبيرا عن فلسفة حياته في إيجاز واختصار يبرز لك روعة السياقات النظرية، وبشاعة التطبيقات العملية، من هذه العبارات:

الدنيا دوارة

عندما تقرأ هذه الجملة تدرك تماما فلسفة المصري في قناعته بأن الدنيا لن تدوم على حال واحدة، فهي دوارة لن يهنأ السليم بصحته على الدوام، ولن تسعف الغني أمواله على الدوام، ولن يدوم المنصب لصاحبه على الدوام،

وكثير من ملامح التغيير تؤكد رسوخ مفهوم استحالة الثبات المطلق الذي تدل عليه عبارة الدنيا دوارة، ومع تلك القناعة .. محدش بيعبر، ولا حد مهتم، ولا حد بيتعظ!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الراجل ما يعيبه غير جيبه

اللهجة المصرية الدارجة

مقولة متداولة على نطاق واسع تبرز ذلك الخلل القيمي الذي أصاب المصريين، فجعلوا المادة المعيار الأول لتقييم الرجال، فكونك مثقفا أو متعلما أو حتى عالما متخصصا في مجالك كل ذلك لن يمنحك تقديرا أو وقارا إلا إذا كان جيبك معمر بالفلوس، ووفق هذا التوجه تجد:

  • الجاهل الغني يتزوج أجمل الفتيات حاملة أعلى المؤهلات بفلوسه!
  • الجاهل الغني يشار إليه بالبنان؛ الحاج راح، الحاج جه، الحاج تاج الرأس، وزينة المكان، عالي المقام –وهو أكبر حرامي في المكان– ولكنها فلسفة العوار!
  • الفاشلون تعليميا يطلون علينا عبر شاشات التلفزيون ومنصات التواصل نجوما في الفن، ونجوما في المجتمع بملايين الدولارات التي تحصلوا عليها من التفاهة وهطل المعجبين، وغدوا رموزا وكثير منهم يحتاج فورا للالتحاق بفصول محو الأمية! وغير ذلك كثير، ولا تعليق.

أبوك ضهرك وسندك

ياااه على روعة العبارة وجمالها، تلك التي تلخص كل الحب في شخص الأب الذي هو الدعم، وهو السند، وهو الضهر، فمن حرم منه حرم الأمن والأمان، ومع ذلك هل نقدر الآباء حقا؟!

وهل نحترم وجودهم؟! وهل فعلا هم على قدر تلك العبارة في التعامل والتواصل؟! بالطبع لا، فهناك فجوة بين العبارات الرنانة المتداولة برونقها وجمالها، وبين الواقع البشع الممارس فعلا، فهناك:

  • من طرد أباه إرضاء لزوجته الجميلة!
  • وهناك من ترك أباه فريسة للشوارع هائما على وجهه مشردا في الأرض!
  • وهناك من سبه ولعنه وضربه بكلتا يديه!

اقرأ أيضاً:

الأمثال الشعبية المشهورة في العامية

فلسفة الجماهير

مجتمع الواجب ومجتمع الفهلوة

خدي إللي بيحبك يا بت!

اللهجة المصرية الدارجة

كثير من البنات في مصر قد فاتهن قطار الزواج، ليس لأنهن لم يتقدم لخطبتهن أحد، بل لأن الواحدة منهن تمارس حقها في الاختيار المناسب وفق أحلامها وقناعاتها المشروعة، وتمر الأيام ولا تجد ضالتها في شاب بمواصفاتها، هنا يبدأ  الزن على الودان؛

كبرتي، بورتي، الباب هيقفل، خدي إللي بيحبك والحب هيجي بعد الجواز، وبالفعل تقع الفاس في الراس، وقليل من تلك الزيجات ينجح، وأغلبها يبدأ بفرحة على يد مأذون، وينتهي بدموع ساخنة في ساحات محاكم الأسرة!

الرزق يحب الخِفيَّة

وتلك عبارة من العبارات الشهيرة جدا، والتي تفسر فلسفة الغاية تبرر الوسيلة لدى البعض، الخِفيَّة المقصودة نظريا هي: المهارة، والسرعة، وقوة الملاحظة، ولكن خفية التداول والممارسة عمليا هي: النصب والاحتيال والتزوير والتدليس والاستخفاف بعقول الناس واستباحة ما لا يحق تحت بند الرزق يحب الخفية!

الخال والد

عبارة تبرز قمة الترابط الأسري القائم على صلة الرحم والاعتزاز بالأقارب، لكن السؤال هل فعلا الخال والد؟! إللي نهب ميراث ولاد أخته، وإللي ما زارهم من سنين، وإللي بيتهرب منهم، وإللي مش معترف بوجودهم أصلا! وعلى فكرة من ده كتير جدا وبدون مبالغة.

ياريتك سنة يا رمضان

يومان ويأتي العيد وتسمع مرارا جملة المصريين الشهيرة “يا ريتك سنة يا رمضان”، طب وبعدين؟! بص كده على الواقع وشوف بنفسك سلوكيات الناس واحترام الشهر والرغبة فعلا في استمراره سنة هتلاقي العجب العجاب!

كلمات تبرز فلسفة شعب مصاب بعضه بخلل قيمي رهيب يضرب جذوره، ويستشري في مفاصله، يستدعي على الفور بداية فلترة إصلاحية قيمية على كافة الأصعدة؛ في المدارس، والمعاهد، والجامعات، وعبر منصات التواصل، وغير ذلك قبل فوات الأوان.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب