مقالات

الناس كثيرة المناداة بالديمقرطية، ولكن ما هي؟ وهل هي عادلة؟

الناس عند ابن سينا

يَعتقِدُ ابن سينا أنَّ الناس اجتماعيون بطبيعتِهِم، وبحكمِ هذه الحقيقةُ يحتاجُ الناس إلى أن يكونوا جزءًا من جماعةٍ سياسيَّة، إذا كانَ لهم أن يحيوا حياةً سعيدةً وراضية. في هذهِ الجماعةُ يتعلم الأفرادُ ضبْطَ رغباتهم بهدفِ تحقيق الرفاهية العامة، إلا أن عامة الناس ليسوا قادرين بأنفسِهِم على تشكيل جماعةٍ سياسيةٍ تحقق تِلكَ الغاية، لماذا؟ لأن كل شخصٍ يسعى لجعلِ مصلحتِهِ في الأولويَّة، ومن ثمَّ يكونُ الناسُ عدائيين تجاه بعضِهِمُ البعض، وهنا تبدو الفضيلةُ المدنية بعيدَةَ المنال عن مُعظَمِ الناس، ونتيجةً لذلك، نجد الناسَ لا يتقبَّلونَ سوى القوانين التي تنفعهم وتضر الآخرين.

إذًا الناس في حاجةٍ ماسَّةٍ لكي يكونوا جزءًا من مجتَمعات لسببين، أولهُما فِطرَتهم التي تأنَسُ بالآخرين وتستوحِشُ الوِحدة، وثانيهما هو سد حاجاتِهِم الفيزيقيَّة الرئيسيَّة من مأكلٍ ومشرَبٍ ومسكَنٍ وملبس، فإذا كُنتَ صاحِب حِرفةٍ مثلًا، ستحتاجُ المُزارعينَ لِتوفيرِ مطعَمك، والبنَّائينَ لِبناءِ مسكَنك، والنسَّاجين لنسجِ مَلبَسك، والتُجَّارِ الذين يعمَلونَ كوسيطٍ مُنّظِّمٍ بين مُنتجي السِّلَعِ المُختَلِفة والمُتَبَضِّعين.

المجتمعات وتعريف الإنسان

وعلى مدارِ2400 عامٍ -ورُبَّما أكثَر- سعى الناس إلى تَنظيمِ تِلكَ المُجتمعاتِ التي ستتكَوَّنُ حتمًا نظرًا لحاجةِ الإنسان لها، وصاغوا أفكارَهُم ورؤاهُم لما يَجِبُ أن تَكونَ عليهِ تِلك المُجتَمعات، وأيُّها سيكونُ أكثر سعادةً وتحقيقًا لكمالاتِ أفرادِ المجتَمَع، فما هيَ تِلكَ الكمالات التي يَجدُرُ بالمجتَمَعِ تحقيقها؟

لِتَحديدِ تِلكَ الكمالات يَجِبُ علينا أولاً أن نُعرِّفَ الإنسان مُنفَرِدًا، حيثُ يرى البعضُ أنَّ الإنسانَ حَيوان –أي جسم حسَّاس نامٍ مُتحَرِّكٌ بالإرادة-، وأنَّهُ كسائِرِ الحيوانات يُكَمِّله ما يُكَّمِّلهم من مأكلٍ ومشرَبٍ وملبَسٍ ومأوىً وزواج، فقَط حاجاتِهِ المادِّية هي التي يَجِب أن يُوفِّرها له المُجتَمع وحينها سيكونُ مجتمعًا مُناسِبًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويرى آخرون أنَّ الإنسانَ حيوانٌ ناطِق، لديهِ حاجاتٍ ماديَّةٍ يحتاجُ لإشباعِها كي يتمَكَّنَ من أن يحيى وأن يستَمِرَ نسله، ولديه كمالاتٍ عقليَّةٌ كالأخلاقِ والمعرِفة، وأنَّهُ بدونِ تِلكَ الكمالات العقليَّة لن يستَحقَّ الإنسانُ أن يكونَ أفضَلَ من سائِر الحيواناتِ غير العاقِلة، وحينَ تتحققُ تِلكَ الكمالاتِ لن يكون المُجتَمَع مُناسِبًا للحياةِ فحسب، بل سيكونُ مُجتمعًا فاضِلًا أيضًا.

لماذا يحتاج الناس للاجتماع؟

إنَّ الناس في حاجةٍ لجماعةٍ سياسيَّةٍ لا لإشباعِ الحاجاتِ الفيزيقية الأساسيةِ فحسب، بل للعيش بما يتماشى مع الفضيلة الأخلاقية، أو تلكَ القواعِدِ الأخلاقيَّة التي تُمَكِّنُ الناس من العيشَ بالعدل، فالحياةُ تستَحِقُّ العيش فَقَط مادامَ الناس يُمكِنَهُم أن يكونوا جزءًا من جماعاتٍ تُساهِمُ في تلك الأهداف وتُمَكِّنَ الناس من تجسيدها في حياتِهِم. ابن رُشد

والعاقِلون هُم أولئِكَ الذين يَسعونَ لتحصيلِ جميعِ كمالاتِهِم، الفيزيقيَّة منها والعقليَّة، وهم يوقنونَ بأنَّ هذا سبيلهُم الوحيد نحوَ السَّعادة.

تُمَثِّلُ العدالة لدى أفلاطون شرطًا أو ظرفًا يتم بموجبه الترتيب والتنظيم السليمَيْن لأقسام الشخصيةِ الإنسانيَّة المختلِفَة، أو ما أشارَ إليهِ بـ «النفس»، فالأفرادُ يتَّسِمونَ بـ «عنصر عقلاني» يُمَثِّل لديهم أساسًا البحث عن الحقيقة، كما يتَّسِمونَ في الوقتِ نفسِهِ بدوافعٍ تنبَعِثُ من كلا الجزأين: الشهواني الذي يحضُّنا على اقتناء الثروة أو إرضاءِ الرغبةِ الجنسية، والروحي المعني بإظهارِ الشَّجاعة الضرورية للعَمَل من أجلِ الرفاهية العامة وإحراز المجد في نظر الآخرين بموجَب هذهِ الشَّجاعة.

ويُعَدُّ إحداث الترتيب أو التنظيم السليمَيْنِ لأجزاءِ النفس مسألة مهمة في سبيلِ تحقيق العدالة، لا على المستوى الشخصي لكل فرد على حِدة، بل وأيضًا على مستوى المُجتَمَع ككل، وهنا يرى أفلاطون ضرورةَ أن يحكم الجزء العقلاني الجزأين الآخرين؛ فإذا ما سيطَرَ القِسمان الآخران على العقل، سَتَخرُجُ النفس عن مجالِ التوازُن، ومن ثمَّ لن يتشاور الفرد، أو لن يعمل بما يؤدِّي إلى تحقيقِ أفضَل المصالِح سواء بالنِّسبَةِ لنفسه أو للمجتَمَع، والحقيقَةُ أنَّهُ في ظلِّ مثل هذا الظَّرف، قد يكونُ قِسما الشهوة والروحِ في صِراعٍ  مع بعضِهِما البعض.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهو ما سيؤكِّدُ التعاسَةَ الشَخصيَّة وعدم القدرة على الأداءِ الجيِّد للمهام والوظائِفِ المُختَلِفة التي تؤمِّنُ حاجاتَ المجتمع الأساسيةِ والمُهِمَّة.

العدالة هي المطلب

فالعدَالةُ هي القيمَة الرئيسيَّة، والفضيلةُ المدنيَّةُ الأم التي يَجِب أن تنبَثِقَ مِنهَا سائِرُ الفَضائِلِ المدنيَّة التي تُنَظِّمُ عَمَل المُجتَمع إذا ما أردنا له أن يكونَ مُجتَمَعًا فاضِلًا.

فَقَبل مُناقشتِنا لِما تُفرِزه لنا الديمُقراطِيَّةُ في هذهِ الأيَّام من أولئِكَ المُتفاخِرينَ بِتَطَرُّفِهِم وعُنصَريَّتِهِم وظُلمِهِم في دولٍ قد أسست الديمقراطيِّة –المباشِرة منها وغير المُباشِرة- واعتَمَدتها كآليَّةٍ للتعايُشِ مُنذُ قرون، علينا أن نَضَع الآليَّةُ نفسَهَا على ميزانِ العدل، هل هذِهِ الآليَّةُ المُعتَمَدة بشكلِها الحالي، وبِتغلُّبِ المال فيها على العقل والفضائِلِ المدنية، تضمَنُ تحقيق العدل؟ وإذا كانَت الديمقراطيَّةُ بشكلِها الحالي هي ما يراهُ الـ (50+1) عدلًا سادًّا لِحاجاتِهِم ومُحقِّقًا لِكمالاتِهِم، فماذا عن حاجاتِ وكمالات الـ (50-1)؟!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

عبد الله عامر

مهندس

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة