مقالات

لا تحقرن من المعروف شيئا – ولا تحقرن من العارف أيضا

لا تحقرن من المعروف شيئا

من مساعي الإنسان نحو الكمال أن يشارك في المجتمع بقدر طاقته وأن يساهم بأقصى ما يستطيع في تسخير علمه وخبرته وطاقاته بما يعود بالنفع المتبادل على المجتمع وعلى نفس الصانع على السواء. وفي موروثنا الديني حديث نبوي يقول: “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق”، والحديث الشريف يحث على فعل الخير سواء كبر حجمه أو صغر دون استصغار أو تحقير لصغائر الأعمال، فافعل الخير دائما ولا تبالي، نعم لا تحقرن من المعروف شيئا وافعل الخير متى شئت وكيفما شئت وبقدر استطاعتك، ولكن هذا ليس معناه أن تدور دائما في فلك صغائر الأعمال.

ولا تحقرن من العارف أيضا

بالتأمل في الحديث الشريف تطرق إلى ذهني معنى آخر له علاقة وثيقة بمجال دراستي وتخصصي ( إدارة الموارد البشرية ) وهو ألا تحقرن من علم العالم أو معرفة العارف أو خبرة الخبير أو حرفة الصانع أيضا شيئا، فمن المهام الأساسية لعلم إدارة الموارد البشرية “أن يتم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب” أو بمعنى آخر البحث في توظيف قدرات ومهارات الإنسان بالشكل الأمثل عن طريق التوفيق بين قدرات الشخص وبين الوصف الوظيفي لما يجب أن يقوم به من مهام بحيث لا يجب أن نأتي بعامل قليل المعرفة والخبرة ونوكل إليه من الأعمال ما تحتاج إلى معرفة وخبرات أكبر، مما يؤدي بالضرورة لفشله في تلك المهام، وعلى النقيض لا يجب أن تقل المهام المكونة لوظيفة العامل كثيرا عن قدراته وإمكانياته لما في ذلك من آثار سلبية قد تتولد في صدر العامل كالشعور بالملل والضيق.

وإذا قلنا أن عائد الفعل على المجتمع قد يتم قياسه مثلا في صورة مجمل نتاج المشاركات (علم– عمل- مهارات- خبرات… ) المؤداة من أفراده وما تحققه من منفعة للمجتمع، وكذلك الحال بالنسبة للطريقة التي يستخدمها علماء الاقتصاد لقياس الناتج القومي فهم يعرفونه بأنه: (مقياس لحجم الإنتاج من السلع والخدمات من موارد مملوكة من قبل سكان منطقة معينة في فترة زمنية معينة).

فإن عائد الفعل وأثره على نفس الفاعل قد يمكن الإشارة إليه بما تحدث عنه عالم النفس الأمريكي “أبراهام ماسلو” وما هو معروف ب “تسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات” فهو يرتب الاحتياجات الإنسانية في صورة هرمية تفيد التسلسل التدريجي من أسفل إلى أعلى كما يشير الشكل التالي:

اضغط على الاعلان لو أعجبك
[images cols=”five”] [image link=”#” image=”9987″] [/images]

فهو يضع الاحتياجات المادية الأساسية في قاعدة الهرم صعودا بالحاجة إلى الأمان ثم الحاجة إلى الألفة الاجتماعية ثم الحاجة إلى تقبل التقدير والاحترام من الآخرين ثم الحاجة إلى تحقيق الذات -ولو أنني أرى أن هناك أشكالا أخرى من الآثار التي تعود على نفس العامل قد غفل عنها “ماسلو” من أهمها تهيئة تربة خصبة في صدر العامل لتقبل القيم والمعاني الأخلاقية كالتعاون والصبر ومساعدة الآخرين- وبالتالي إذا نظرنا للأمر من منظور هذا العالم لوجدنا أن الحاجة لتحقيق الذات عن طريق تسخير المعرفة والخبرات والطاقات لخدمة المجتمع وتقديم حلول لمشاكل جذرية ومحورية هي أهم الاحتياجات الإنسانية التي يشعر بعدها الإنسان بذاته وكيانه بعدما يرى نتاج مساهمته في المجتمع بشكل ملموس وفعال وما لهذا من آثار إيجابية على نفس الفرد قبل أن يتم قياس النفع على المجتمع.

وبالتالي فإن دعوى البعض للتركيز على صغائر الأعمال بشكل مستمر –إن كانت متعمدة من البعض– وترك مجال البحث عن الطاقات الكامنة واستخدامها وتطويرها وتهذيبها إنما هي استخداما للحديث الشريف في غير محله وبذلك يمكن اعتبارها دعوى للحق يراد بها باطل مما تؤدي إليه من تثبيط للهمم لما تحمله في طياتها من توليد الرغبة إلى الخمول والاستكانة وعدم تحريك طاقات المجتمع بشكل إيجابي وفعال.

ولذا فإنه لزاما على صانع القرار أو كل قائد في مكانه وبما أوتي من سلطة أن يقوم باكتشاف الطاقات الكامنة في مرؤوسيه من علوم وخبرات ومهارات  ويضع العارف في مكانه ومن ثم شحذها وتهذيبها لتخرج في أجمل صورها ليحدث بذلك التكامل الذاتي للفرد بأداء ما عليه والشعور بالإشباع المعنوي والأخلاقي، وتعود المنفعة أيضا على المجتمع بصورة أكبر عن طريق توظيف الطاقات بشكل أكثر كفاءة وفعالية.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عاصم فراج

أخصائى إدارة موارد بشرية

باحث بمشروعنا بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة