مقالات

الوعد الغادر

التاريخ يعيد نفسه تمامًا، فالناظر إلى صفحات التاريخ في الماضي يجدها تتكرّر مع اختلاف اللاعبين والأرض، وما الفرس والروم والحِيرة والغساسنة منا ببعيد، وما يدور في فَلَك إنجلترا وفرنسا، ثم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقًا قبل تفكّكه بغائب عنا.

فلسطين عبر التاريخ

إنّ أرض فلسطين التاريخية لها رائحة خاصة ولها روح لا تتوافر في غيرها من الأماكن، ولشوارعها وبيوتها تصميم وطراز فريد، ولمساجدها وكنائسها شعور بالطمأنينة، ولطعامها مذاق طيب، لقد عاش على أرضها أنبياء ومرّ عليها أنبياء.

المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين مسرى النبي محمد (ص)، الذي صلى فيه إمامًا بإخوانه الأنبياء، ومسجد قُبة الصخرة الذي يحكي تاريخ وأمجاد أمة عريقة.

فلسطين التي دخلها العادل عمر بن الخطّاب، وأوصى بالعهدة العُمرية، التي منها التحذير من اليهود الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذِمّة على لسان أكبر القساوسة في ذلك الوقت.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فلسطين التي حاول اليهود بشتى الطرق أن يساوموا آخر الخلفاء المحترمين في الدولة العثمانية “عبد الحميد الثاني”، على تركها مستباحة والتنازل عنها في مقابل إغراءات دنيوية لا حدود لها، في الوقت الذي كانت تعاني فيه الدولة أزمة مالية كبيرة، ومنها الإغراء عن طريق “هرتزل”، فردّ عليه الخليفة الردّ المُزلزل التاريخي: “إنني لا أستطيع أن أتنازل عن شِبر واحد من الأراضي المقدسة، لأنها ليست مِلكي، بل هي مِلك شعبي، وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، ورووها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم، إذا مُزّقت دولتي فمن الممكن الحصول على فلسطين دون مقابل”.

اقرأ أيضاً: سبب دعم أمريكا للصهاينة

من وعد بلفور إلى إعلان إسرائيل

unnamed - الوعد الغادر

لقد قَسّمت الدول الكبرى الدول الضعيفة فيما بينها كالكعكة الطّريّة للاستيلاء على مقدراتها وتاريخها وسرقة ممتلكاتها وخيراتها، ومن ذلك وقوع فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، ولإزاحة اليهود الذين كُتب عليهم التشتت والتيه في العالم من أوروبا وأمريكا لخبث نيّتهم وسوء طويتهم، وبعدهم عن الإنسانية فضلًا عن عدم تمسّكهم بديانتهم.

جاء الوعد المشئوم المعروف تاريخيًا “وعد بلفور” –وزير  خارجية بريطانيا– الذي وعد اليهود بإنشاء وطن قومي لهم، وفتح باب الهجرة إلى فلسطين، ليبدأ الصراع المرير، والحروب غير المتكافئة بين الدولة الوليدة الجاثمة على الصدور التي أسموها “إسرائيل”، ومعها الدول المدافعة عنها، مثل: أمريكا التي أعلنت تأييدها دون قيد أو شرط بعد الإعلان بعشر دقائق فقط! وإنجلترا وفرنسا من ناحية، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها الشقيقة الكبرى مصر من ناحية أخرى.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

استمر الاستيطان وسرقة الأراضي والبيوت وطمس معالم فلسطين، وقتل شعبها وسلبه إرادته، ما بين قتيل ومعتقل وجزء يعيش في الداخل، وجزء في الشتات، ثم قُسِّمت الأماكن ووُضِعت الحواجز في كل منطقة وكل مدينة داخل الدولة العريقة الجميلة، ولا فرق عند اليهود في القتل بين طفل رضيع، أو شيخ طاعن في السن، أو امرأة حامل، فهؤلاء قوم لا يعرفون من الإنسانية إلا اسمها فقط.

وقفت الدول التي ترفع شعار الحرية تتفرّج على الإبادة الجماعية تارة والتصفية الفردية للقادة والعلماء تارة أخرى، وقفت تتفرج على المحتل وفمه يقطر دمًا من ضحاياه المتلاحقة في الليل والنهار والسر والإعلان من دون حياء أو عمل حساب للقوانين الدولية.

كيف حمى الفيتو الأمريكي إسرائيل

أمريكا تستخدم حق النقض “الفيتو”، اللعين ضد أي قرار يدين ابنتها الداعرة المدللة ويفضح جرائمها، والدول الخائفة من سطوة اليهود ورجسهم، الذين استراحوا منهم، كذلك الدول المستفيدة وأصحاب المصالح.

دوّخت الدول الكبرى التي تمتلك حق الكلمة في هذا العالم الذي يكتنفه الظلم والعدوان الساسة في فلسطين أصحاب النَفَس الطويل، بين الندوات والمؤتمرات والمعاهدات والوعود الكاذبة الفارغة التي لا ترتقي إلّا إلى التسكين والتخدير والخداع.

مما يزيد الطين بِلّة تفرّق العرب وتشرذمهم وحصرهم في الألقاب والأوسمة والنياشين، وعدم التوافق على آراء تحتوي على مصالحهم، أو تبنّي قرارات تحافظ على كيانهم سوى للشجب والإدانة، فباتوا كالريشة في مهب الريح تلعب بهم الدول الكبرى كيفما شاءت، ويميلون مع كل صائح وينتظرون كل مدافع عن مصالحهم وسيادتهم ويُصفقون له، فضلًا عن انشغالهم بقضاياهم ومشكلاتهم الداخلية المُختلَقة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة:

مدينة رفح المصرية الفلسطينية

كلمة غزة تعني القوة

كيف تم تهويد المدينة؟ وهل هي قضية الفلسطينيين وحدهم؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة