مقالات

هو أنت طلعت منهم!؟ يبقى أنت أصلا تسكت خالص!

هو أنت طلعت منهم!؟

“هو أنت طلعت منهم?!”  تلك المقولة الأثيرة لدى البعض، التي تستخدم أثناء محاوراتنا اليومية ومناقشتنا المتعددة، عندما نتناول أطروحات لقضايا وأفكار مختلفة، واتجاهات كثيرة، وعندما لا تلقى قبول لدى البعض يسارع بقول  هو أنت طلعت منهم!؟  لينهي النقاش بشكل حاسم، متخذاً التصنيف والاتباع لفصيل معين حجة قوية، لإلحاق الضعف للمُحاور، فتكون بمثابة رصاصة أُطلقت من مسدس صوت، لا تصيب ولكنها تحدث خللاً، تبعثر أفكاره، وتهز ثقته، فيلجأ للصمت، ويترك الأخر يزهو بانتصار زائف، فقد خُيلَ إليه أنه على صواب، ويغفل عن مطابقة آرائه للواقع، ليتمكن من الحكم بطريقة تنصف الحق.

طالما طلعت منهم متتلمش!

ويأتي الرفض بقبول فكرة معينة أو التصديق بها–بعد حكم العقل بصحتها-من أسباب عدة  نذكر منها: نوعية الأفكار التي يتبناها الفرد، فقد تكون مضادة للفكرة المطروحة، فتقف عائقاً لقبول الفكرة؛ والتبعية لاتجاه أو تيارما يصاحبه غياب للعقل، فلا يتمكن الفرد من الحكم السليم المبني على أسس منطقية. والتبعية لاتجاه ما لا تكون مضللة دائما، فالتبعية لكل ما يحقق العدل وينصف الحق هي خير تبعية، وأيضاً الانسياق وراء المشاعر، وإطلاق العنان للقلب يصدق ما يهواه وما يميل إليه

بغض النظر إن كان الاتجاه والرأي المتبع صحيحاً أم لا؛ واعتماد الفرد على تكوين حكمه وفقاً لما يراه الأكثرية في مجتمعه، ولا يأخذ في اعتباره إن كانت هذه الأكثرية تتبنى ما هو يتفق مع المنطق أم لا، وقد يكون اقتناع الشخص التام أن آرائه دائماً حق، فهو على علم ودراية–من وجهة نظره- يعصمانه دوماً من الحكم الخاطئ، وينبغي على الجميع الاقتداء به في طريقة التفكير، فهو دائماً على صواب، ويعتبر ذلك من الأسباب الأشد خطراً، خاصةً إن كان الفرد لا يلاحظها عن نفسه ويجهل بها.

ونتيجة الابتعاد عن القواعد الفكرية، والأساليب المنطقية، والانحراف عن معيار العقلانية في الحكم، ظهرت آفات عديدة أصابت الفرد ومن ثم أصابت المجتمع. فعلى مستوى الفرد: يغلق الفرد عقله ويعمي عيناه عن رؤية الواقع بشكل سليم، فيرفض التصديق بأي دليل مهما كانت مصداقيته قد تغير من رؤيته، التي غالبا ما تكون متطرفة وليست معتدلة، بالإضافة إلى أنه يلجأ للتعامل مع الغير بقوالب جاهزة صنعها هو بناء على رؤيته الغير سليمة، التي تعتمد على التصنيف والتبعية، ويتلازم معه الحدة والهجوم في الحوار، وأيضا تنمية نزعات الكبر والغرور لدى الفرد، واقتناعه التام أنه الأكثر رزانة وحكمة للأمور.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما على المستوى المجتمعي، فاتباع تلك الطريقة في التفكير كانت السبب في ظهور سرطان ينهش في نسيج المجتمع، وينخر قوته، ألا وهو سرطان الطائفية، فلم ينقسم المجتمع فقط إلى فئات وشُعب، بل كل فرد في المجتمع  أصبح يتبنى رؤية و أيدولوجية، تتباين تماما مع أي فرد أخر، ومن هنا ظهرت الفرقة والكراهية بين أبناء المجتمع، وأفقدته ترابطه واتزانه، ناهيك عن التعصب بمختلف صوره وأشكاله، وظهور أنماط للشخصية الغير سوية، كالشخصيات النرجسية والسيكوباتية والعدوانية، بل أن ذلك يعتبر من أهم أسباب انتشار عمليات القتل الجائر التي تتم تحت مسمى الارهاب، وأحياناً الحروب، وحينها لا يوجد سبيل للوحدة، والعيش بسلام في مجتمع يحارب أفراده بعضهم دون وجه حق.

 

 

والعلاج الفعال هنا هو اتباع العقلانية والتفكير المنطقي، فلا سبيل غير ذلك للتغلب على مثل هذه المعوقات، فالعقل قادرعلى انتشال الفرد من الضلال، وعلى أساس مبادئ العقل وبديهياته يستطيع تكوين أدلة معلوم صحتها، ويعرف مدى مطابقتها للواقع، ويمكنُه من التمييز بين الواقع والخيال، والحكمة والتطرف، فالتصديق اليقيني يُبنَى على براهين تعتمد على حقائق لا يمكن بطلانها، وبالتالي يكون الحكم من خلالها منصفاً وعادلاً؛ ويجرد العقل الفكرة عن قائلها، فلا يهتم بتصنيف الشخص الداعي لفكرة ما، فهو يتعامل مع الفكرة مجردة عن الأهواء والميول، بل تكون مجردة عن أي موانع توجد بشخصية الفرد، كالحسد والحقد، وبالتالي يتجنب الخطأ والظلم أثناء حكمه.

واتباع هذه الأسس المنطقية في التفكير  والتمسك بميزان العقل يحمي الفرد من الوقوع في مثل هذه السقطات، وينعم بشخصية سوية تنبذ التعصب، وترفض التطرف، ولا تحابي لشيء سوى الحق، وتندثر الفرقة والانقسامات المتفشية في المجتمع، ويترابط أفراده، وتقوى مشاعر المودة والإخاء بينهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

مى محمود

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة