إصداراتمقالات

هجرة

هجرة

فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنيا يُصيبُهَا، أو امْرَأة يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُه إلَى مَا هَاجَرَ إليهِ “

أجمع المسلمون على أهمية قصوى للنية، واختلفت التعريفات لها ما بين السطحي والعميق، والجزئي والكلي، وما بين الفقهي والأخلاقي. ويمكن إجمال التعريفات المطروحة في نوعين: ماذا أفعل؟ ولماذا أفعل؟

فمن المعاني التي طرحت لها: هي معرفة الإنسان بما قام يفعل، فعندما تصلي العصر يجب أن تعلم أو يستقر في نفسك قبل العمل أنك تصلي العصر وليس المغرب مثلا، أي إجابة سؤال “ماذا أفعل في هذه الجزئية؟” وهي تفرق بين الواعي لعمله وغير الواعي كالمغيب أو مشتت النفس أو غير العاقل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

معنى آخر هو: “لماذا سأفعل هذه الجزئية؟” وهو استحضار نية “لماذا سأفعل؟” قبل العمل مباشرة، كمثل من ينوي قبل صلاته مباشرة أن يتقرب إلى الله ويطيعه ويتعبد إليه؛ بغضّ النظر عمّا أتى به إلى المسجد أو ما المحرك الأساسي لحياته كلها، فربما خارج المسجد مثلا يعمل ويحيا لغير الله

 وهي نية إجرائية أو جزئية أو تكتيكية ولحظية مرتبطة بالموقف، لكن دون الالتفات للدافع الحقيقي الذي وضعني في هذا الموقف أصلا ووصل بي إلى هنا، أو ماذا سأفعل بعده. فهي سؤال عن “العلة الغائية الجزئية” التي دفعت الإنسان لعمل هذه الجزئية أو تلك، وهي نوع من التذكر قبل العمل ولها أهميتها بالطبع. وغالبا ما تحدث قبل العبادات وربما قبل بعض العادات أيضًا في حالة التذكّر.

المعنى الثالث: “لماذا أفعل كلَّ ما أفعل؟” ما دافعي ومحرّكي في فعلي كله؟ لماذا أعيش حياتي ولأيّ غاية؟ لماذا أستيقظ كل يوم من نومي بل ولماذا أنام؟ وفيم وإلى أين المسير؟ فهو معنىً استراتيجي أو كلّي.

والمحرك للإنسان بالحصر الذهني إمّا أن يكون ماديا أو مجردا، وإن كان الأول فهو إما شهوته أو غضبه. فللإنسان عموما ثلاث محركات كبرى بناءً على ما تحتويه نفسه من قوى ثلاث: الشهوة والغضب والعقل

فقد يكون محركه هو الشهوة؛ كشهوة حب الظهور والشهرة وتلقي المديح، أو شهوات أدنى كالبطن والفرْج. وقد يكون دافعه الغضب والرغبة في استجلاب مزيد قوة مثل المنصب أو النفوذ أو الجاه، أو غضب حيواني أدنى في صورة الالتذاذ بالإيذاء الجسدي أو غيره. أما المحرك العقلاني المتجرد فهو المتجه ناحية الكمالات الحقيقية وإلى مصدر الوجود والكمال سبحانه وتعالى، موليا شطره ناحية العالم العلوي الذي منه منبعه وإليه منتهاه. وكثير منا يتأرجح بين هذه القوى والمحركات الثلاث دون وعي أو علم، وحتى بعد العلم والوعي بها تبدأ رحلة جهاد النفس لكي ترضخ للعقل تمامًا، وفي هذه الرحلة قد نتأرجح أيضًا بين القوى الثلاث إلى أن تغلب إحداها، فإما هجرة إلى الله ورسوله وإما هجرة لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهذا النوع الثالث من النية يجيب عن سؤال “العلة الفاعلة” إن صح التعبير، فأي قوة أو محرك أو دافع من هذه الثلاث يحرك الإنسان؟ ولأنّ النتيجة مرتبطة دائما بالمقدمات، ولأنّ الغاية لا تنفكّ عن الوسيلة، ولأنّ المعلول هو أثر لطبيعة العلّة؛ فإنّ هذه النيّة تجيب أيضًا عن سؤال “العلّة الغائية” لكن بشكلٍ كلي، ولكلِّ ما نفعله في حياتنا.

 ونلاحظ أنّ هذه النية تتطلّب مزيد وعي وعلم، كما أنّها تتطلب إجابة عن الأسئلة الجوهرية في الحياة: من أين وإلى أين وفي أين؟ كما أنها تتطلب قدرا كبيرا من جهاد النفس وقواها الحيوانية.

كما أنها بالتبعية وبسهولة تحسم كلّ الجزئيات، فتجيب عن كل أسئلة “لماذا أفعل هذه الجزئية؟”، أي أنها حلت مشكلة النوع الثاني. بل إنها أيضا تجيب على سؤال “ماذا أفعل؟” فعندما يكون لي غاية كلية ما؛ فإنني سأرفض فعل بعض الأعمال، بينما بالضرورة سأفعل ما يتماشى مع غايتي الكبرى، أي إنها تتدخل أيضا لإصلاح النوع الأول.

ومن هذا المنطلق تبدو هذه النية إن صلحت فلاحا حقيقيا للإنسان، وتصبح حياته كلها بكل كلية بل وكل جزئية هي لله، فينام ويستيقظ ويتعلم ويكسب الرزق لغاية واحدة وبمحرك واحد..هجرة حياتهم لله . وأهل هذه النوايا العظيمة والكبرى هم من أهل الله وخاصته، قلوبهم معه وأجسادهم بيننا، يعيشون حياتهم كلها بكل حركة واستكانة لغاية واحدة ولهدف واحد: “

“قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

 

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة