مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

شايل الهمّ ومشغول؟ يبأى الحل هو طبق الفول!

الحياة لا تقابلنا دائما بما نشتهيه ونطلبه بشدة، ولكنها لا تمنع عنا كل ما نشتهيه، ومن هنا تتكون في عقولنا فكرة جديدة عن أنفسنا نتعرف بها أكثر على هذا الوجود الذي على الرغم من كونه محور وجودنا إلا أن هناك الكثير والكثير مما لا نعرفه عن الروح و النفس وشؤون هذا المكون العجيب.

طبق الفول بالشطة

بدأت القصة «بقرن» من «الشطة الحريفة» للغاية وصحن من الفول المدمس الدافئ في ليلة شتاء أستطيع أن أصفها بأنها لم تكن من ليالي الشتاء المفضلة لدي فلقد مرت بي ليالٍ أفضل. المهم أنني ولكي أخرج من دورة الهم والاكتئاب والتقصير في العمل المتراكم أمامي قررت النزول لأقرب «عربية فول» واشتريت كمية من الفول الساخن وطلبت بعض قرون الشطة «لزوم المزاج» وعدت للمنزل مسرعا لأحضر العشاء الذي تناولته برفقة أحد أصدقائي.

أخذنا الكلام في بعض المواضيع المتفرقة التي لن أوجع رؤوسكم بها وبدأ تأثير الشطة يظهر على وجهي من احمرار للخدين وسيلان الأنف وارتفاع درجة حرارة الأذنين وغيرها من الآثار التي يعرفها الناس المدمنة للأكل الحريف. ودابت الأحزان واختفت الهموم كلما طال بنا الحديث واستمر التهامي لقرون الشطة (كانوا أربعة لا أكثر) والتي كنت أحاول جاهدا أن أطفئ لهيبها بما أتناوله معها من لقمات الفول الشهية.

انتهى الحوار وتركت صديقي لينام ثم ذهبت إلى المطبخ لأعيد الأطباق لأماكنها وخلافه… ولاحظت وأنا في طريقي للمطبخ أنني لم أعد حتى أذكر لماذا كنت حزينا؟ نعم قد أحاول أن أعاود التذكر لكن المدهش هو أن الفكرة نفسها اختفت وحتى لو تذكرت السبب لم يعد يشغلني أو يحزنني كما كان يحدث معي قبل هذه المسامرة البهيجة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النفس كالطفل

ربما فعلا نفوسنا كالأطفال عندما يتعلق الأمر بالشهوة والغضب. فمثل الطفل الصغير ما أن تشغل نفسك بشيء آخر حتى تجدها تنسى ما كانت تركز عليه وتطلبه برغبة ملحة. الفكرة هنا ليس في اكتشاف هذا الأسلوب الذي ربما لو تفحصنا الكثير من كتب علم النفس لوجدناه شيئا عاديا، وأسلوب ترويض النفس معروف منذ زمن. ليس هذا هو سبب كتابتي لهذا المقال وإلا كان الأمر سخيفا، لكني أكتب اليوم لإبراز نقطتين في غاية الأهمية. الأمر الأول أن التجربة غير النظرية، ربما تسمع عن الشيء كثيرا لدرجة تشعرك أنك تعرفه جيدا. لكن تتغير هذه المعرفة كيفاً تماما ما أن تشرع في تجربة الأمر بنفسك…

الأمر أشبه –طالما أن المقال بدأ بطبق الفول– بطبق الفول… ربما الوصفة عندما تقرأها من موقع أو منتدى أو كتاب وصفات تجد تقريبا نفس الوصفة الأساسية (زيت– كمون– ملح– ليمون) لكن ومع نفس التحضيرة تجد أن كل شخص يحضر طبق الفول بمذاق مختلف ينقلك لتجربة جديدة مع الفول. ربما لهذا نستمر في الحياة ونصحوا كل يوم من النوم ولدينا إيمان كامل أن الغد يحمل لنا ما هو جديد.

ليس برومانسية اعتباطية أو عشوائية مشاعرية ولكننا نعرف بالفعل من تجارب سابقة أن نفس الفكرة لا تبدو بنفس المظهر ولا تعطي نفس الشعور كل مرة بالضرورة؛ لأن الكون من حولنا مليئ بالمتغيرات الكثيرة التي قد لا ندركها كلها ولا نعرف أيهما يعمل وأيهما لا يعمل في اللحظة التي نجرب فيها من جديد. إن هذا المجهول الذي نعلم أنه على الرغم من أنه يحمل في أثره علاقة منطقية عقلية– إلا أن عدم علمنا بتوقيت تأثيره ولا بكم تأثيره هو ما يضيف لمسة أو مذاق أو توابل الفضول والرغبة في تجربة الحديث لطعم الحياة.

تزكية النفس

ربما تشغلنا الحياة عن الترويح عن نفوسنا بعض الوقت لكن ليس لأن الحياة بائسة بل ربما لأننا شغلنا أنفسنا بمتعة جديدة بديلة نجد فيها تحقيقا للذات ولكن بطريقة جديدة ومن منظور مختلف. وهذا ما ينقلني للنقطة الثانية فبعد أن تعرفنا على هذه القابلية للنفس أن تنشغل بمتعة جديدة عن متعة قديمة لا نستطيع الحصول عليها… بعد أن عرفنا هذه الديناميكية في التعامل مع النفس… هل نستطيع أن نغير من إدمانات وطباع نفوسنا السيئة نحو الأفضل إذا ما أقنعنا أنفسنا وخاطبناها بقيمة تجربة الجديد وغير المألوف ولكن في نفس الوقت الأفضل والأكثر تزكية للنفس وسموا للروح والعقل…

لماذا نجد أن إدمان القبيح غير الأخلاقي سهل وأن إدمان الجيد السوي الفاضل أخلاقيا صعب… وهل تقارن لذة «الآيس الكريم» بلذة «الشطة والفول» لكننا لا نجد أننا نهتم بما هو صحي ومفيد بقدر ما نهتم بما هو مضر للصحة ولنفس الإنسان!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.

مقالات ذات صلة