مقالات

نظرية المؤامرة

ترى أحدهم مكتئبا حزينا، قد رانت عليه الكآبة، وتسربل بالهم، وتزيا بالغم، وقد قبع خلف همومه، وتقوقع داخل آلامه، وتشرنق بين طيات همومه، قد ساءت هيئته، وسقطت هيبته، واتسخت بزته، وتأرجحت مروءته، قد تناءت طرقه، وتشعبت في الوهم سبله، وتعثرت دروبه، وساءت عيوبه، وتمرغ في الظن، واتشح بالإحن،

قد ضعف جسمه، وتهاوى اسمه، وتلاشى وصفه، وتهرأ وسمه، قد ضعف إنجازه، واختلط مجازه، واهتزت نفسيته، وتوحشت إنسيته، قد عاش بالوسواس، وتعايش بالخناس، فلا تراه إلا ساخطا لائما، ومتبرما قائما، لا يسمع صوتا إلا ارتجف، ولا يتنامى إليه خبر إلا وجف، ولا قول إلا انتزف!

قد شابت مفارقه، وكثرت مزالقه، قد انحنى ظهره، واعوج أمره، وشاب وهو على أعتاب الشباب، ولما يبلغ الأجل والكتاب، يحيا في ظلمات الحيرة، ويدلهم في متاهات المسيرة، وينكفئ في أروقة السريرة، ويضمحل في غيابات السيرة، يحسب كل صيحة عليه، وكل مصيبة تنمى إليه، وكل سوء يميل نحوه، وكل ألم صنوه!

يا أيها المسكين

ترى هذا المسكين، وقد ارتدى نظارة سوداء، ورتع في مجاهل اليهماء، وتبدت له الحياة السعيدة قاحلة بيداء، فإذا ما سألته عن سر حالته البائسة تلك أخبرك أن العالم كله يقف ضده، ويتآمر عليه، وأن الناس كل الناس لا يألون جهدا في الإيقاع به، والتخطيط له، لا يفتأون في الكيد له،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهذا يكرهه، وثان يحسده، وثالث يحقد عليه، ورابع يخدعه، وخامس يردعه، وكل هؤلاء يتربصون به، وينقضون عليه، ولا هم لهم إلا الانتقاص من قدره، وتشويه صورته، وتقبيح سيرته، والخوض في سريرته، وحينئذ فقد تشوه عقله، واختلط قلبه، وهاجت بلابله.

لكن ألا يعلم هذا المسكين أنه إنما صنع كل ذلك من وحي خياله المريض، وعقله القاصر، ولو فكر في الأمر قليلا، وتدبر المواقف، لعلم أنه في واد، والناس جميعا في واد آخر، وأن الحقيقة المرة التي ينبغي عليه أن يدركها جيدا أنه لا أحد يأبه به،

أو يهتم بحاله، بل إنه ربما لا يمثل شيئا لدى الآخرين، بل ربما لا يشعر أحد بوجوده، بل الأنكى من ذلك أنه ربما مر على أحدهم في طريق، فلا ينظر إليه أحد، أو يشعر به من فرد، فلا يعيرونه أي اهتمام، ولا يعبأون به بأي مرام!

فيا أيها المسكين! ارفق بنفسك، وهون عليها، وإياك أن تصنع صنما من خوفك، وإلها من رهبتك، ومعبودا من وساوسك، وربا من هلاوسك، ثم لا تبرح عليه عاكفا، تقدم له القرابين، وتصلي له بالواهن من البراهين!

يا صديقي، اصنع لنفسك تمثالا من الثقة، ونموذجا من الثبات، وأيقونة من العمل، وتيمة من الأمل، وحياة من الحلم، واعلم أنك مهم بمقدار ما تنجز، وفاعل بقدر ما تصنع، وموجود بحسب ما تحب أن تكون، فاعمل، وجد، واجتهد، ولا تيأس!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

الرضا عن الحياة (مفتاح للسعادة الشخصية)

ظاهرة اللا مبالاة وانتشار الأنا مالية

ثقافة التغيير بين النظرة السطحية والنظرة العقلانية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. محمد دياب غزاوي

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية- جامعة الفيوم وكيل الكلية ( سابقا)- عضو اتحاد الكتاب

مقالات ذات صلة