مقالات

مواسم إيمانية لن تأتي .. كيف تحولت العبادات إلى ممارسات فارغة من معناها!

هل نحن قوم روتينيون؟! هل انتقلت البيروقراطية إلى عباداتنا وأًصبحنا نمارس الطاعات في صورة مواسم ؟ فأصبحنا نعلم مولد النبي محمد (ص) من انتشار الفراشات والأنوار في الشارع لبائعي “حلاوة المولد”، ومن ثم ننشد المدايح والابتهالات في مقام حضرته، ونحي سيرته في ذكرى مولده وحسب! وبالمثل مع غيره من مواسم إيمانية.

فاقتراب رمضان يدلّلنا عليه كثرة الفوانيس والزينة المعلقة في الشوارع والحارات، وتنويه القنوات الفضائية عن مسلسلات الشهر الكريم، فندخل الشهر متسلحين بالخيم الرمضانية وصاج الحلويات وزخم الشاشات التي لا تسمن ولا تغني من الجوع الإيماني وتهذيب النفوس الظمأى للهداية والعروج لعالم الخير والجمال والراحة والرضا والسكينة والطمأنينة. ولا يكاد ينتصف الشهر الأكرم حتى يبدأ موسم الاستعداد لكحك العيد… وهكذا الحال لا ينتهي طقس حتى يبدأ طقس آخر من جديد!

لا نقصد بالطبع أن كل العباد مشغولون في اللهو واللعب والاحتفالات والسهرات ومتابعة الشاشات في ما سبق من مواسم إيمانية… نعم يصوم البعض رمضان ويتبعه بست من شوال، يختم القرآن في رمضان مرة وأكثر، يصوم الإثنين والخميس ومعه أيام اكتمال القمر، وهي أعمال إيمانية عظيمة بلا شك، وحتى العادات الشعبوية التي تعارف عليها الناس ابتهاجا بمواسم الطاعات هي أيضًا عادات جميلة تسري النفس وتبعث البهجة في القلوب، وتشحذ الهمم لمن أراد أن يتزود من التقوى، ولكن ربما تكراراها بهذا الشكل من دون التذكير على روح العبادة وإحياء القلوب يجعل العبادة تفقد روحها، فيتحول الدين إلى روتين والذكر يتحول إلى أصوات من غير طحين أو ألسنة معطلة الاتصال بالأرواح والقلوب.

تتعدد المناسبات وتتكرر العبادات ويخرج المرء من شهر الصيام ليدخل شهر الحجيج، يصوم نهارا ويفطر ليلا، يصلي ويصوم ويذكر ويقوم، ولكنه لا يدع لنفسه فرصة للوقوف الحقيقي مع النفس، والمصارحة مع “المضغة” التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله، فلا تنفعه أية مواسم إيمانية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا نريد دينا جامدا ولا طقوسا باردة، سننتظر أية مواسم إيمانية ونفحات روحانية لنتعرض لها، سنحتفل بالهجرة النبوية، وسنتأسى بسيرة سيد الخلق أجمعين، سنتعرض لنفحاتها العطرة، ونتلبس بثياب العاشقين، سنصبر على الأذى المادي والنفسي، كما صبر النبي ليكون رحمة للعالمين، سنهاجر كما هاجر المصطفى وصحبه هجرة لا افتتان فيها بمجتمعات مادية، هجرة للروح والتحليق في المعاني السامية، سنحاسب أنفسنا على أيامنا وليالينا، وأفكارنا وأعمالنا وعباداتنا، سنحاسبها ونشارطها ونكافئها ونعاقبها في أي وقت ولن ننتظر نهاية العام؛ فإنما سَمَى من سَمَى لأنه كان يتعهد نفسه ويراقبها باستمرار.

سنضع خطة للعام الهجري الجديد سواء بدأ العام أو انتصف أو لم يبدأ، فلن ننتظر أعواما أخرى حتى تتقاطع إرادتنا وعزيمتنا مع توقيت بداية السنة الجديدة، فالبدار البدار، وربما كانت ليلة قدرك هي الليلة التي قررت فيها التغيير، ووفقفة عرفاتك هي وقفتك مع نفسك وانتصارك على نفسك الأمارة وأمراضها المتوطنة من عجب ورياء وغل وأنانية وحقد وحسد وطمع، وربما كان إسراؤك ومعراجك الحقيقي يوم أن قررت روحك أن تعرج إلى خالقها الحقيقي، وتتحرر نفسك من كل ثقل مادي، أو تَعَلق بزينةٍ وتفاخرٍ وتباهٍ، ولكان ذكرى تحويل القبلة بالنسبة إليك يوم أن تغيرت قبلتك من الافتتان بالنموذج الغربي في الحياة، وتمني العيش وفق النمط الاستهلاكي، وتوجهت بوصلتك إلى خالق الحياة وواهب السعادة الحقيقية، سيصبح كل يوم بالنسبة لك هو عيد وليس عيد الأضحى فحسب، يوم أن تضحي من أجل الفكرة والقيم العليا، فقد تصنع مواسم إيمانية حقيقية خاصة بك، فإذا عزمت فتوكل على الله، ولا تجعل من الكسل جنودا مثبطة لك، أو كما قال بروس لي “لو كنت تستغرق الكثير والكثير من الوقت في التفكير في شيء ما، فاعلم أنك لن تنفذه أبدًا”!

أحمد السيد

بكالوريوس تجارة
خريج معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف
باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة