إصداراتمقالات

ملحمة عبد العاطي

يتصبب عرقًا وهو ذاهب إلى عمله في أحد المصالح الحكومية، حتى كاد العرق أن يترك آثاره على الطريق وهو يمشي ليبدأ رحلة الكفاح كي يجد أي وسيلة انتقال تنقل جسده المنهك إلى عمله!

يبدأ يومه بعد أن استنفذ ما يملك من طاقة في الجري خلف أي شيء يسير على أربع عجلات علّه يفلح هذه المرة في الوصول لعمله قبل مديره الذي يسمعه يوميا كلمات التقريع والتوبيخ ولفت النظر.

إنه يتقاضي 750 جنيها  – أساسي ومكافآت وحوافز- من عمله الذي قضى فيه ما يقارب 15 عامًا يكافح ليعيش مع زوجته وأبنائه الثلاثة ووالدته التي لا يوجد لها غيره.

-“يلّا يا أستاذ عبد العاطي.. ورانا مصالح خلص لنا الورق بقى، ولا انت عايز حاجة؟!”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– استغفر الله ، أنا مدخلش بيتي لقمة حرام، وإلا مكانش ده بقى حالي!

– من فضلكم التزموا بالطابور، أنا مش هكمل أي شغل إلا لما الاقي قدامي طابور.

– مترحمونا بقى م الطوابير، واقفين م الصبح، إيه قلة الأدب دي!!

– إنت اللي قليل الأدب، النظام ميزعلش ولو مش عاجبك امشي!

– ارحمووووونا يا عالم، هنموت م الحر، مفيش أي تهوية عندي ربو!!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– ممكن تبعد شوية، إنت مش متربي!

– يا جماعة ما هو لو فيه حد يحترم كرامتنا، مكانش ده بقى حالنا!

– هو الراجل ده مبيخلصشي ليه الورق، طبعا عايز حد يكرمش له ورقة بعشرين في جيبه!

– انتو شعب حلال فيه الكرباج!

-انت باين عليك عايز تتربى وأنا جاي عشان اربيك ………………”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم بعد انتهاء يوم عمل حافل بالهدوء وراحة البال والأجواء الإيجابية، يبدأ الاستعداد لرحلة العودة وأهوالها!

ليعود الرجل شاحب الوجه فاقد القدرة على النطق فتستقبله أصوات العائلة التي لا يكاد يميّزها عن بعضها

“- جبت الحاجة؟
– حاجة إيه؟!
– ألطم على وشي يا راجل! إيش حال مكنتش كتبتها لك في ورقة وحطيتها في جيب محفظتك وكتبت لك على إيدك متنساش الورقة في المحفظة، ورنيت عليك 20 مرة!!

-!!!!!

– بابا بابا الأستاذ ممدوح عايز فلوس الشهر ، وبيقول لك معادش فيه تقسيط!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– بابا نفسي في فستان جديد، بقى لي سنتين مجبتش حاجة، وصحباتي بيعرفوني من بعد من هدومي!

– حمد الله ع السلامة يا حبيبي، جبت لي علاج السكر!
– بابا ……………”

يتركهم الرجل وملامح وجهه متجمدة لا تكاد تعرف فيم يفكر، ليذهب على أقرب أريكة ويلقي بما تبقى من جسده عليها ويغيب عن الوعي لحظات ثم يفيق على كوب ليمون تمسكه زوجته بحنان قائلة:

” قوم يابو رحمة ملناش غيرك!، قوم يا خويا حضرت لك السندوتشات والأسطى مرزوق خلص ورديته على التاكسي وجاب لك المفاتيح!”
– مش تقول يا خويا إنك جبت الحاجة بدل مانت سايبني أحرق في دمك كده!
– مش فاكر!!”

فيشربه بهدوء وقد تجمعت حوله أسرته وقد ملأت الوجوه ملامح القلق، فيضمهم إلى صدره بحنان وقد أعطته الساعة التي فقد فيها وعيه شيئا من الحياة، فيمسك بالمفاتيح ومعها كيس الطعام، ويدير محرك التاكسي فتقع أذنه على المذيع بإذاعة القرآن الكريم وهو يقول :

“الكَادِّ عَلَى عِيَالِهِ كَالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ”

                                                    فيحمد الله وينوي جهاده وتستمر ملحمته في الحياة!

مقالات ذات صلة