مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

مسيرات العودة و الأتوبيس – الأمل في العودة للديار مطلبهم ونصرة الحق مبتغاهم

أحنا بتوع الأتوبيس !

رأيت فى الآونة الأخيرة فى الشارع والمواصلات العامة الكثير من النقاشات التى تدور بين الأشخاص والتى تنتهى بردود من نوعية (محدش فاهم حاجة_ ومبقيناش فاهمين حاجة_ أنا غلبان على قد حالى ومش فاهم فى الكلام ده، وقالولى لو فهمت هتقدر اللى بيعملوه الكبار علشانك!
وآخر يقول نحن لا نفقه فى شىء سوى المأكل والملبس والمشرب والخلفة الكتير! (ما احنا لو نبطل نخلف العيشة هتبقى زى الفل والموارد هتكفينا)
ترد إحدى السيدات فتقول (خلفة إيه بس اللى بتكلم عليها؟ دى بقت بفلوس هى كمان بعد ما العقم ملا البيوت! انت عارف العيل بيكلف كام دلوقت؟ ولا الولادة؟)
يستطرد قائلا لها وبرضه ما بيبطلوش خلفة؟ ده شعب يستاهل يموت من الجوع!

الزحام والنقاش داخل الأتوبيس

كل هذا الحوار والنقاش يجرى داخل عربة الأتوبيس العام الذى يشبه علبة السردين فى ضغط الركاب فيه وحيث تتشابك الأرجل والأجساد بشكل عشوائى وكل منهم يقف على قدميه من بداية الرحلة إلى نهايتها مع فواصل الإشارات، وتوقف الطريق من أجل الزحام لأكثر من ساعة في كل شارع.
إلا إنهم لا يستطيعون حسم المسألة ولا حسم إشكالاتهم بل حتى لا يستطيعون الاتفاق على سبب واحد رئيسى لكل مشاكلهم وأمراضهم ومعاناتهم فى الحياة سوى أنهم يرددون ما إحنا مصريين ولازم نتحمل ونساع بعض ونصبر شوية… شوية كمان وربنا هيفرجها قريب يرددون ونعم بالله… ونعم بالله)

أما الجالسون على الكراسى لم يشاركوا فى الحوار ولا حتى بالنظرة فكلهم متأففون من توقف الأتوبيس لكل هذه الفترات والعطلة والزحام الحادث، ونصف الأجساد التى يحملونها فوق أجسادهم لتستند عليهم لتترك مساحة للآخرين لأننا مصريون ولازم نساع بعضينا، بالطبع لن يفوتنى أبدا أن الكمسرى أو كما أطلق على نفسه وهو يقول فى ابتسامة سخرية (وزير مالية الأتوبيس ) كان قد قام بتنظيم التكدس على قدر استطاعته حيث جمع النساء فى جزء بجانب كرسيه الذى أيضا تركه لإحدى السيدات الكبيرات بالسن التى لم ينزل هاتفها من على أذنها طوال الرحلة تتابع أبناءها وأحفادها وتتواصل مع العائلة،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولأن حوافزه تعتمد على عدد الركاب اليومى للأتوبيس فإنه لا يضيع جهدا فى أن يملأ الأتوبيس أكثر فأكثر حتى إنه ليتم تحصيل التذاكر ، ينزل من الأتوبيس نهائيا ليدخله من الجهة الأخرى ثم يعود جريا خلف الأتوبيس ليصعد مجددا من الباب الخلفى، وينظم وقفة الركاب وهو يكرر وبابتسامة عريضة: نساع بعضينا نساع بعضينا… لسه فاضى قدام… تنظر إلى العيون المهمومة تراهم لاهثين وراء العودة لمنازلهم بعد يوم العمل يشتاقون للعودة للمنزل ليرتاحوا بعد عناء الطريق ويستقلون أى شىء أمامهم ويتحملون كثيرا من أجل العودة إلى منازلهم، فمهما كانت بسيطة، ومهما كانت عيشتهم وإمكانياتهم إلا أن حلاوة العودة والأمان والراحة والعائلة لا يضاهيها شىء وتستحق أن يتحملوا من أجلها كل ما يمرون به وأكثر.

مسيرات العودة

شردت بذهني فى أخبار فلسطين التى قرأتها للتو بأن مسيرات العودة ما زالت مستمرة وأن قوات الاحتلال قد فتحت الرصاص الحى على الفلسطينيين ووصل عدد الشهداء إلى أربعين شهيدا فى ذلك التوقيت من اليوم.
ظلت تراودنى صور الفتيات الملثمات اللاتى نزلن فى المسيرات بكامل زيهن تحمل كل منهن ما تستطيع حمله من الحجارة وتهرب من دخان قنابل الغاز، تأخذ نفسها ثم تعود لتكمل واجبها…
وتراودنى صور الصبيان الذين لم تتعدَّ أعمارهم ال 10 أعوام يتقدمون المسيرات ويحملون الحجارة ويضربون بقوة وبلا خوف، يواجهون عدوا جهولا جاهلا وظالما يحمل بندقية أو ربما رشاشات أمام الحجارة وأمام أطفال ونساء ومعاقين وعجائز لا ذنب لهم سوى أنهم يريدون العودة إلى منازلهم وإلى أراضيهم ولكنه ليس بعد عناء يوم طويل من العمل ، بل هو عناء 70 عاما من الجهاد والصمود الذى لولا (خلفتهم الكتير) لما استمر لهم صوت بعد كل المجازر المتعاقبة على مدار تلك السبعين عاما من الاحتلال!

فلولا إصرارهم على درب الجهاد والشهادة، ودرب العودة والتحمل من أجله بل والزواج والتكاثر من أجل أهداف أسمى من لقمة العيش فالأرض والوطن والعزة والشرف والكرامة هى أشياء ثمينة، ولا يعرف قدرها إلا صاحب العقل والبصيرة السليمة، ومن أجلهم يهون كل شىء حتى الروح وفلذات الأكباد؛ فالعودة إلى الوطن بالنسبة لهم هى كعودة الروح للجسد وبدونها فإننا ميتون.

السعي نحو الحق مطلب العقلاء

وضوح الرؤية والهدف وصدق المسعى والإخلاص ليست صفات خاصة بأشخاص دون آخرين وليست حكرا على أصحاب الشهادات أو الدراسات التخصصية المحددة بل هى البصيرة، والعقل الواعى الذى لا يسمح لشهواته وأهوائه فى التدخل فى أحكامه ولن يسمح أبدا سوى لصوت الحق والعدل والصواب فى الوصول إلى أذنيه.
أما واجب أصحاب العقول السوية والنخب أصبح الرباط على الحق والحقيقة والصواب والالتزام بالعقل والتعقل وتقديمها فى سلوكياتنا كقدوة فلعلها توقد شمعة فى وسط الظلام.

أقرأ أيضًا :
أنا لا أتذكر فلسطين ! – ما مدى أهمية القضية الفلسطينية حتى أتذكرها ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كيف تقضي على القضية الفلسطينية ؟ – ولماذا نرغب في إزالة دولة إسرائيل ؟

“فلسطين حرة.. ستبقى قضيةً حية”

رحيل محمد

عضوة بفريق بالعقل نبدأ بالقاهرة

مقالات ذات صلة