مقالات

مرتفع المنشار – هل امتناع بطل الفيلم عن استخدام السلاح تصرف صحيح ؟

قصة بطل الفيلم مع السلاح

في النصف الأول من القرن العشرين دارت رحى الحرب العالمية الثانية حاصدة ملايين الأرواح، ومخلفة دماراً وكوارث إنسانية من مجاعات وانتشارٍ لأوبئةٍ لم يسبق للإنسان على سطح هذا الكوكب أن سمع بمثلها!

فيلمنا تدور أحداثه في تلك الفترة، أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً بعد الغارة الجوية المفاجئة التي نفذتها البحرية اليابانية على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربور بجزر هاواي كضربة استباقية لأي تحرك أمريكي في المحيط الهادئ قد يهدد الإمبراطورية اليابانية، وقد خلفت تلك الضربة الكثير من الضحايا والخسائر المادية في الأسطول، الأمر الذي دخلت بعده الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية.

البطل يمنتع عن السلاح

بطل فيلمنا شاب متدين، والده اعتاد شرب الخمر والسكر، كان مقاتلاً في الجيش الأمريكي من قبل، وتركته الحرب ممزقاً نفسياً بعد ما مزقت أحشاء أصدقائه، كان سريع الغضب، وكثيراً ما تشاجر مع زوجته حتى يصل الأمر للضرب.
في إحدى مرات الشجار تدخل بطلنا لإنقاذ والدته من غضب أبيه، ولكفه عن ضربها ومنعه عنها هدده بإطلاق النار عليه من مسدسه، في تلك اللحظة شعر بطلنا أنه كان على وشك قتل والده، وهي اللحظة التي عندها عاهد ربه أنه لن يلمس سلاحاً مجددا أبداً!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد ضرب الأسطول الأمريكي تطوع كغيره من أبناء بلده في الجيش للرد على الهجمة اليابانية، تطوع كمسعف طبي.
ذهب لمعسكرات التدريب وهو على مبدئه لن يلمس سلاحاً أبدا!
تعرض لمضايقات وضرب زملائه لإثنائه عن مبدئه لكنه ظل ثابتا عليه. تم تقديمه للمحاكمة العسكرية فأنقذه والده ليتم السماح له بالمشاركة في الحرب على اليابان دون سلاح، كمسعف طبي.

هل هناك خلل ؟

على جزيرة “أكيناوا ” اليابانية، وعلى “مرتفع المنشار” أو “hacksaw ridge” كما جاء بالفيلم، تقدمت كتيبة بطلنا”ديزموند دوس” إلا أن القوات اليابانية تمكنت من هزيمتها، وانسحبت الكتيبة بشكل سريع مخلفة وراءها قرابة المائة جريح، ليظل “دوس” بمفرده، ولا ينسحب مع كتيبته، وينقذ حوالي خمسين إلى خمسة وسبعين رجلاَ مصاباَ!

عاودت القوات الأمريكية الهجوم، وتمكنت من السيطرة على الجزيرة، واليابان كلها!

الفيلم يحكي عن قصة حقيقية نال بطلها وسام الشرف لشجاعته.

“ديزموند” كان شجاعاً بالتأكيد، وتمتع بوفاء كبير تجاه زملائه، وضحى بحياته لإنقاذهم رغم ما سببوه له من مضايقات، لكن لو دققنا في المبدأ الذي تبناه، والأهم في الطريقة التي بنى عليها هذا المبدأ، لوجدنا خللًا كبيرًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السلاح مجرد أداة

أولاً: ليس السلاح هو الذي جعله على وشك أن يقتل والده، فالسلاح مجرد وسيلة أو أداة في يد الإنسان، وهو يحركه مثلما يشاء، قد يستعمله في القتل بغير حق، والاعتداء على غيره وتهديدهم وظلمهم، أو يستعمله للدفاع عن وطنه وأسرته ونفسه.
والذي يحدد الهدف من استعمال السلاح هو الإنسان نفسه، فهو الذي يمتلك عقلاً وإرادة لا السلاح!

فمثلاً إذا وضعت أمامك دجاجة مشوية رائحتها شهية، لكنك تعلم أنها مسمومة، فأنت بالتأكيد لن تأكلها، كذلك إذا جئتك في يوم حار بكوب عصير بارد شهي، لكنه مسروق، فإنك عندها لن تشربه.

الإنسان ليس مجبراً على سلوك معين، بل إنه في استطاعته اختيار الخير والانصراف عن الشر، في استطاعته اختيار استعمال السلاح للدفاع عن الحق، أو أن يقتل به ظلماً.

خطأ التعميم دون دليل

ثانياً: بنى “دوس” مبدأه على تجربة شخصية، قام بتعميم نتيجتها على كل المواقف الشبيهة. فعندما وجد نفسه على وشك قتل والده، عزم على ألا يلمس سلاحاً ثانية أبدًا! على الرغم من أن المشكلة لم تكن في السلاح كما أوضحنا.
الأمر أشبه بمن فسخت خطوبتها لإنها اكتشفت خيانة خطيبها، فقررت أنها لن توافق على الزواج من أحدهم ثانية، لإن كل الرجال خائنون بالتأكيد، أو كالذي تعامل مع محامي مرة ونصب عليه، فقررألا يلجأ لمحامي أبداً، لأن كل المحامين نصابون!

نعم، يمكن للتجارب الشخصية أن تعطينا مؤشرات ظنية مفيدة مثل أن أركب مثلا مع أكثر من سائق تاكسي في بلدة معينة فيقومون جميعا بالنصب علي، عندها لابد أن أحذر من سائقي التاكسيات في هذه البلدة، دون أن يعني ذلك بالطبع أن أي سائق تاكسي هو بالضرورة سارق، فقط نحذر. لكن نتيجة التجربة الشخصية تظل ظنية قد تخطئ أو تصيب لا يمكن الاعتماد عليها لبناء مبادئ نتحرك على أساسها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أهمية صحة تكوين المبادئ

المبادئ التي تحكم حياتنا وتتحكم في اختياراتنا، لابد أن نتأكد من أننا كوناها بطريقة سليمة، وبالتأكيد الموقف الشخصي الذي مررنا به مرة ليس طريقة سليمة! فهو يعتمد على توهم أن كل المواقف التي سنمر بها هي بالضرورة نفس الموقف الذي عشناه، كالتي قررت أن كل الرجال خائنون لأن خطيبها السابق خانها، أو كالذي قرر أن كل المحامين نصابون، لأن محاميه نصب عليه!

تمسك الإنسان بمبادئه جميل، بل إنه الذي يعطي لحياته قيمة ومعنى، لكن شرط أن يتأكد أن مبادئه صحيحة، مبنية على أساس تفكير منطقي سليم، ويمتلك على صحتها أدلة مضبوطة صحيحة، وإلا فإنه يسلم حياته واختياراته للعبث بشكل كبير.

فمع اعترافنا بشجاعة”دوس” وتفانيه، إلا أنه بنى مبدأه على أساس خاطئ، فضلاً عن أن المبدأ نفسه لم يكن سليماً.

التأثير على العاطفة وتشويه الحقائق

الفيلم أمريكي إنتاج عام 2016م، وعن طريق المؤثرات البصرية والسمعية، وقصة الفيلم الدرامية ومشاهد قتل الجنود وغيرها، يحاول الفيلم عن طريق تلك الوسائل التي تخاطب العاطفة، أن يدفعك للتعاطف مع الجانب الأمريكي من القصة، والإشمئزاز من اليابانيين المتوحشين، وهذه هي خطورة الفن في الحقيقة؛ أنه يؤثر على العاطفة بشكل كبير، فيمرر لك رسائل ربما ترفضها بعقلك لو تنبهت لها.

في الحقيقة إن موقف اليابانيين في ضربهم للأسطول الأمريكي بهدف بسط النفوذ والسيطرة لا يختلف عنه الموقف الأمريكي في سحق اليابان وتدميرها تماماً، بل موقف الأمريكيين يفوقه سوءاً بمراحل كبيرة؛ فقد تعمدوا إذلال اليابانيين وإهانتهم، وذلك ليس غريباً عن الحروب والسياسات الأمريكية، وتوجوا ذلك التجبر بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما ونجازاكي في الوقت الذي كانت قد أعلنت فيه معظم المدن اليابانية استسلامها بالفعل! لكنها العنجهية الأمريكية واستعراض القوى.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفيلم يعطينا درساً مهماً؛ أن نتعلم التعامل بموضوعية مع ما نتلقاه، فالبطل كان شجاعاً بالتأكيد، لكنه كان مخطئاً في مبدئه، وطريقة تكوين هذا المبدأ، والفيلم يجمل الوجه الأمريكي القبيح ربما، لكنه لا يستطيع تغيير الحقائق أو إخفاءها!

اقرأ أيضاً:

مناقشة فيلم الدائرة

تأملات في فيلم الذهب الأسود

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة